ذلك؟ والتعجب أيضاً إنما يليق بالجاهل بسبب الشَّيء، فالعالمُ به كيف يليق ذلك بِهِ؟ .
فالجواب: أن ذلك ورد على أسلوب كلام العرب، لبيان استحقاقهم لأعظم العقاب، حيث أتوا بأعظم القبائحِ كقولهم إذا تعجَّبُوا من شيءٍ قاتلهُ اللهُ ما أخَسّه، وأخزاه الله ما أظلمه، والمعنى: اعجبوا من كفر الإنسان بجميع ما ذكرنا بعد هذا.
وقيل: ما أكفرهُ بالله ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه، والاستفهام بقوله:{مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ} قيل: استفهامُ توبيخٍ، أي: أيُّ شيءٍ دعاهُ إلى الكفر.
وقيل: استفهام تحقير، له، فذكر أوَّل مراتبه، وهو قوله تعالى:{مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ} ، ولا شك أن النطفة شيءٌ حقيرٌ مهينٌ، ومن كان أصله ذلك كيف يتكبر، وقوله:«فقدَّره» اي: أطواراً.
وقيل: سوَّاه لقوله تعالى: {ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف: ٣٧] ، وقدَّر كُلَّ عُضوٍ في الكيفيَّة والكميَّة بالقدر اللائق لمصلحته، لقوله تعالى:{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}[الفرقان: ٢] ، ثُمَّ لما ذكر المرتبة الوسطى قال تعالى:{ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} .
قيل: المراد: تيسير خروجه من بطنِ أمِّه، ولا شكَّ أن خروجه حيًّا من أضيقِ المسالك من أعجب العجائبِ، يقالُ: إنه كان رأسه في بطن أمه من فوقٍ، ورجلاهُ من تحتٍ، فإذا جاء وقت الخروج انقلب، فمن الذي أعطاه ذلك الإلهام، المراد منه قوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النجدين}[البلد: ١٠] ، أي: التمييز بين الخير والشرِّ.
وقيل: مخصوصٌ بالدين.
قوله تعالى:{ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ} . يجوز أن يكون الضمير للإنسان، والسبيل ظرف، أي: يسر للإنسان الطريق، أي: طريق الخير، والشر، كقوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النجدين}[البلد: ١٠] .
وقال أبو البقاء: ويجوز أن ينتصب بأنَّه مفعولٌ ثانٍ ل «يسره» ، والهاء للإنسان، أي: يسره السبيل، أي: هداه له.
قال شهاب الدين: فلا بد من تضمينه معنى «أعْطَى» حتى ينصب اثنين، أو حُذف حرف الجر أي: يسَّره للسَّبيل، ولذلك قدره بقوله:«هَداه له» ، ويجوز أن يكون «السَّبيل» منصوباً على الاشتغالِ بفعلٍِ مقدرٍ، والضمير له، تقديره: ثم يسِّر السبيل يسَّره، أي: سهلهُ للناس، كقوله تعالى:{أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى}[طه: ٥٠] ، وتقدَّم مثله في قوله تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل}[الإنسان: ٣] .