غرَّك يا ابن آدم، ماذا غرَّك يا ابن آدم، ماذا عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟ .
قوله:{الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ} ، يحتمل الإتباع على البدل والبيان، والنعت، والقطع إلى الرفع والنصب.
واعلم أنه - تعالى - لما وصف نفسه بالكرم، ذكر هذه الأمور الثلاثة، كالدلالة على تحقق ذلك الكرم، فقوله تعالى:{الذي خَلَقَكَ} لا شكَّ أنَّه كرمٌ؛ لأنه وجود، والوجود، خير من العدم، والحياة خير من الموت، كما قال تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: ٢٨] ، وقوله تعالى:«فسوّاك» أي: جعلك سوياً سالم الأعضاءِ، ونظيره قوله تعالى:{أَكَفَرْتَ بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً}[الكهف: ٣٧] ، أي: معتدل الخلق والأعضاء.
قال ذو النون: أي: سخَّر لك المكونات أجمع، وما جعلك مسخَّراً لشيء منها، ثم أنطق لسانك بالذكر، وقلبك بالعقل، وروحك بالمعرفة، ومدك بالإيمان وشرفك بالأمر والنهي، وفضلك على كثير ممن خلق تفضيلاً.
فالتثقيل بمعنى: جعلك مناسب الأطراف، فلم يجعل إحدى يديك ورجليك أطول، ولا إحدى عينيك أوسع، فهو من التعديل، وهو كقوله تعالى:{بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ}[القيامة: ٤] .
قال علماء التشريح: إنَّه - تعالى - ركَّب جانبي الجثة على التساوي حتى أنه لا تفاوت بين نصفيه، لا في العظام، ولا في أشكالها، ولا في الأوردة والشرايين، والأعصاب النافذة فيها والخارجة منها.
وقال عطاءٌ عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: جعلك قائماً معتدلاً، حسن الصُّورةِ، ولا كالبهيمة المنحنية.
وقال أبو عليٍّ الفارسي:«عَدلَكَ» خلقك، فأخرجك في أحسن تقويم، مستوياً على جميع الحيوان والنبات، وواصلاً في الكمال إلى ما لم يصل إليه شيء من أجسام هذا العالم.
وأمَّا قراءة التخفيف فيحتمل هذا، أي: عدل بعض أعضائك ببعض، ويحتمل أن يكون من المعدول، أي: صرفك إلى ما شاء من الهيئات والأشكال والأشباه، وهذا قول الفراء.