للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

احتجَّ الأَوَّلُون بقوله عليه [أفْضَلُ] الصَّلاة والسَّلام - «إنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ، فَاسْعَوا»

فإن قيل: هذا متروك الظَّاهر، لأنَّه يقتضي وجُوبَ السَّعْي، وهو العدوُ، وذلك غير واجبٍ.

قلنا: لا نسلِّم أنَّ السَّعْيَ عبارةٌ عن العدو؛ [بدليل قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} [الجمعة: ٣٩] والعَدْوُ فيه غَيْرُ واجبٍ] وقال - تبارك وتعالى -: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سعى} [النجم: ٣٩] وليس المراد منه العَدْوَ، بل الجِدَّ، والاجتهاد، سلَّمنا أنه العَدْوُ، ولكنَّ العدو مشتملٌ على صفة تُرك العملُ به في هذا الصِّفات، فيبقى أصل المشي واجباً:

واحتجُّوا أيضاً: بأنَّه - عليه الصَّلاة والسَّلام - لما دنا من الصَّفا، قال: «إنَّ الصَّفَا والمَروَةَ مِنْ شَعَائِر اللهِ، ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللهُ به» فبدأ بالصَّفَا فرقي عليه، ثم سعى، وقال صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، وقال تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: ١٥٨] وقال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] وقالوا: إنه أشواطٌ شُرعت في بقعة من بِقَاعِ الحَرَمِ ويُؤْتَى به في إحرام كاملٍ، فكان جِنْسُهَا رُكناً؛ كطَوَافِ الزَّيَارة، ولا يلْزَمُ طَوَافُ الصَّدرِ، لأنَّ الكلامَ للجنسِ؛ لوجوبه مرة.

واحتجَّ أبو حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْه - بوجوهٍ:

منها: قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وهذا لا يقال في الواجبات، وأكَّد ذلك بقوله: «وَمَنْ تَطَوَّعَ» فبيَّن أنه تطوُّع ولَيْسَ بواجبٍ.

ومنها: [قوله] : «الحَجُّ عَرَفَةُ فمن أدرك عرفة، فقد تمَّ حَجُّهُ» ، وهذا يقتضي التمام

<<  <  ج: ص:  >  >>