فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون كل واحد كان منهيّاً عن الكتمان، ومأموراً بالبيان؛ [ليكثر المخبرون] ؛ فيتواتر الخبر.
فالجواب: هذا غلط؛ لأنَّهم ما نهوا عن الكتمان، إلَاّ وهم ممن يجوز عليهم الكتمان، ومن جاز منهم التَّواطؤ على الكتمان، جاز منهم التواطُؤُ على الوضع والافتراء، فلا يكو خبرهم موجباً للعلم، والمراد من [الكتاب] قيل: التَّوراة والإنجيل، وقيل: القرآن، وقيل: أراد بالمُنْزَل الأوَّل ما فيه كتب المتقدَّمين، والثَّاني ما في القرآن.
قوله تعالى:«أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ» يجوز في «أولَئِك» وجهان:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، و «يَلْعَنُهُم» الخبر؛ لان قوله تعالى:{وَيَلْعَنُهُمُ اللَاّعِنُونَ} يحتمل أن يكون معطوفاً على ما قبله، وهو {يَلْعَنُهُمْ اللهُ} وأن يكون مستأنفاً، وأتى بصلة «الَّذِينَ» فعلاً مضارعاً، وكذلك بفعل اللَّعنة؛ دلالةً على التجدُّد والحدوث، وأن هذا يتجدَّد وقتاً فوقتاً، وكُرِّرَت اللعنة؛ تأكيداً في ذمِّهم. وفي قوله «يَلْعَنُهُمْ اللهُ» التفاتٌ؛ إذ لو جرى على سنن الكلام، لقال:«نَلْعَنُهُمُ» ؛ لقوله:«أَنْزَلْنَا» ، ولكن في إظهار هذا الاسم الشريف ما ليس في الضمير.
فصل في معنى اللعنة، والمراد باللاعنين
اللَّعْنَةُ في أصْلِ اللُّغَة: هي الإبْعَادُ، وفي عُرْف الشَّرْع، الإبعادُ من الثَّوَاب، واختلَفُوا في الَّلاعِنِينَ، مَنْ هُمْ؟ فقيل: دوَابُّ الأرض وهوامُّها؛ فإنَّها تقول: مُنِعْنَا القَطْرَ بمعَاصِي بَنِي آدَمَ، قنله مجاهدٌ، عن عِكْرِمَة.