قال الماوردي: فإن قيل: فما معنى وصفها بالحَمْي، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ .
قيل: قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا.
قيل: المراد: أنها دائمة [الحمي] ، وليست كنارِ الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.
الثاني: أن المراد بالحامية أنَّها حمى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«إنَّ لكُلِّ مَلكٍ حِمىً، وإنَّ حِمَى اللهِ في أرْضهِ محارمهُ، ومن يرتع حولَ الحِمَى يُوشِك أن يقعَ فِيهِ» .
الثالث: أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، وترام مماستها، كما يحمي الأسد عرينه؛ كقول الشاعر:[البسيط]
٥١٨١ - تَعْدُو الذِّئَابُ على مَنْ لا كِلاب لَهُ ... وتتَّقِي صَوْلةَ المُستأسدِ الحَامِي
الرابع: وقيل: المراد أنَّها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شد الانتقام، كقوله تعالى {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ}[الملك: ٨] .
قوله:{تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} . أي: حارة التي انتهى حرُّها، كقوله تعالى:{بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن: ٤٤] ، و «آنِيَة» : صفة ل «عين» ، وأمالها هشام، لأن الألف غير منقلبة من غيرها، بل هي أصل بنفسها، وهذا بخلاف «آنِيَة» في سورة «الإنسان» ، فإن الألف هناك بدل من همزة، إذ هو جمع:«إناء» فوزنها: «فَاعِلة» ، وهناك «أفعلة» ، فاتحد اللفظ واختلف التصريف، وهذا من محاسن علم التصريف.