للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فصل في معنى الآية

والمعنى: يصيبها صلاؤها وحرُّها «حامية» أي شديدة الحرِّ، أي قد أوقدت وأُحميت مدةً طويلة، ومنه: حَمِيَ النهار - بالكسر - وحَمِيَ التنور حمياً فيهما، أي: اشتد حره، وحكى الكسائي: اشتد حمى الشمس وحموها بمعنى.

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ اللهَ أوْقدهَا الفَ سنةٍ حتَّى احمرَّت، ثُمَّ أوْقدَ عليْهَا ألفَ سنةٍ حتَّى ابْيَضَّتْ، ثُمَّ أوقدَ عَليْهَا حتَّى اسْودَّتْ، فهي سَوداءُ مُظْلِمَةٌ» .

قال الماوردي: فإن قيل: فما معنى وصفها بالحَمْي، وهي لا تكون إلا حامية، وهو أقل أحوالها، فما وجه المبالغة بهذه الصفة الناقصة؟ .

قيل: قد اختلف في المراد بالحامية هاهنا.

قيل: المراد: أنها دائمة [الحمي] ، وليست كنارِ الدنيا التي ينقطع حميها بانطفائها.

الثاني: أن المراد بالحامية أنَّها حمى من ارتكاب المحظورات، وانتهاك المحارم، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «إنَّ لكُلِّ مَلكٍ حِمىً، وإنَّ حِمَى اللهِ في أرْضهِ محارمهُ، ومن يرتع حولَ الحِمَى يُوشِك أن يقعَ فِيهِ» .

الثالث: أنها تحمي نفسها عن أن تطاق ملامستها، وترام مماستها، كما يحمي الأسد عرينه؛ كقول الشاعر: [البسيط]

٥١٨١ - تَعْدُو الذِّئَابُ على مَنْ لا كِلاب لَهُ ... وتتَّقِي صَوْلةَ المُستأسدِ الحَامِي

الرابع: وقيل: المراد أنَّها حامية حمي غيظ وغضب مبالغة في شد الانتقام، كقوله تعالى {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ} [الملك: ٨] .

قوله: {تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} . أي: حارة التي انتهى حرُّها، كقوله تعالى: {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: ٤٤] ، و «آنِيَة» : صفة ل «عين» ، وأمالها هشام، لأن الألف غير منقلبة من غيرها، بل هي أصل بنفسها، وهذا بخلاف «آنِيَة» في سورة «الإنسان» ، فإن الألف هناك بدل من همزة، إذ هو جمع: «إناء» فوزنها: «فَاعِلة» ، وهناك «أفعلة» ، فاتحد اللفظ واختلف التصريف، وهذا من محاسن علم التصريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>