لما حكى قولهم، فكأنه قال: لهم فعل أشر من هذا القول، وهو أن الله - تعالى - يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدون ما يلزمهم من إكرام اليتيم، فقرعهم بذلك، ووبخهم. وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه، وأكل ماله.
وقال مقاتلٌ: نزلت في قدامة بن مظعونٍ، وكان يتيماً في حجر أمية بن خلف، وكان يدفعه عن حقه.
قوله:{وَلَا تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين} .
قرأ الكوفيون:«ولا تحاضون» ، والأصل: تتحاضون، فحذف إحدى التاءين، أي: لا يحض بعضكم بعضاً.
وروي عن الكسائي:«تُحاضُّون» بضم التاء، وهي قراءة زيد بن علي وعلقمة، أي: تحاضون أنفسكم.
والباقون:«تَحُضُّون» من حضَّه على كذا، أي: أغراه به، ومفعوله محذوف، أي: لا تحضون أنفسكم ولا غيرها، ويجوز ألَاّ يقدر، أي: لا يوقعون الحضّ.
قوله:«عَلى طعامِ» : متعلق ب «تحضون» ، و «طَعَام» : يجوز أن يكون على أصله من كونه اسماً للمطعوم، ويكون على حذف مضاف، أي: على بذل، أو إعطاء طعام، وأن يكون اسم مصدر بمعنى: الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء، فلا حذف حينئذ.
فصل في ترك إكرام اليتيم
اعلم أن ترك إكرام اليتيم على وجوه:
أحدها: ترك بره وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين} .
والثاني: دفعه عن حقه، وأكل ماله، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ المال حُبّاً جَمّاً} .
قوله:{وَتَأْكُلُونَ التراث أَكْلاً لَّمّاً} التاء في «التُّراثَ» : بدل من الواو؛ لأنه من الوراثة ومثله: تولج، وتوراة، وتخمة وقد تقدم كما قالوا: تجاه، وتخمة، وتكأة، وتؤدة، ونحو ذلك.