وهذا اختيار ابن العربي، لأنه قال:«وأما من قال: إنها رد، فهو قول ليس له رد؛ لأنه يصح به المعنى، ويتمكن اللفظ والمراد» .
فهو رد لكلام من أنكر البعث، ثم ابتدأ القسم.
وقال القشيريُّ: قوله: «لا» رد لما توهم الإنسان المذكور في هذه السورة، المغرور في الدنيا، أي: ليس الأمر كما تحسبه من أنه لم يقسم عليه أحد، ثم ابتدأ القسم، وأجمعوا على أنَّ المراد بالبلد: مكَّة المشرفة، أي: أقسم بالبلد الحرام، الذي أنت فيه، لكرامتك عليَّ وحبي لك.
قوله:{وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} . فيه وجهان:
أحدهما: أن الجملة اعتراضية على أحد معنيين، إما على معنى: أنه - تعالى - أقسم بهذا البلد، وما بعده، على أن الإنسان في كبد، واعترض بينهما بهذه الجملة، يعني: ومن المكابدة، أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد، كما يستحل الصيد في غير المحرم.
وإما على معنى: أنه أقسم ببلدة، على أنَّ الإنسان لا يخلُو من مقاساة الشدائد، واعترض بأن وعده فتح «مكة» ، تتميماً للتَّسلية، فقال تعالى: وأنت حلٌّ به فيما يستقبل، تصنع فيه ما تريد من القتل، والأسر، ف «حِلٌّ» بمعنى: حلال، قال معناه الزّمخشري. ثم قال: فإن قلت: أين نظير قوله تعالى: {وَأَنتَ حِلٌّ} في معنى الاستقبال؟ .
قلت: قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ}[الزمر: ٣٠] ، ومثله واسع في كلام العبادِ، تقول لمن تَعدُه الإكرام والحباء: أنت مكرم محبوٌّ، وهو في كلام الله أوسع؛ لأنَّ الأحوال المستقبلة عنده، كالحاضرة المشاهدة، وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال، وأنَّ تفسيره بالحال محال؛ لأن السورة بالاتفاق مكية، وأين الهجرة وقت نزولها فما بال الفتح؟ .
الثاني من الوجهين الأولين: أن الجملة حالية، أي: لا أقسم بهذا البلد، وأنت حالٌّ بها، لعظم قدرك، أي: لا نقسم بشيء، وأنت أحق بالإقسام بك منه.
وقيل: المعنى: لا أقسم به، وأنت مستحلّ فيه، أي: مستحل إذ ذاك.
فصل في المراد بهذا البلد
أجمع المفسرون على أن ذلك البلد «مكة» ، وفضلها معروف، فإنه تعالى، جعله حرماً آمناً قال تعالى:{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}[آل عمران: ٩٧] ، وجعل مسجده قبلة لأهل