وقوله تعالى: {فِي كَبَدٍ} أي: في وسط السماء.
وقال الكلبيُّ: إنَّ هذا نزل في رجل من بني جمح، يقال له: أبو الأشدين واسمه أسيد بن كلدة بن جُمَح، وكان قوياً، وكان يأخذ الأديم العكاظي، فيجعله تحت قدميه، فيقول: من أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة حتى يتمزّق الأديم، ولا تزول قدماه، وكان من أعداء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفيه نزل: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} ، يعني: لقوته.
قوله: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} ، أي: أيظنّ ابن آدم أن لن يحاسبه الله عزَّ وجل قال ابنُ الخطيب: إن فسرنا الكبد بالشدة والقوة، فالمعنى: أيحسب الإنسان الشديد أن لشدته لا يقدر عليه أحد؟ وإن فسرنا بالمحنة، والبلاء، كان المعنى: أنَّ الإنسان كان في النعمة، والشدة، أي: أفيظنّ أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه شيء، فهو استفهام على سبيل الإنكار.
قوله: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} : يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً.
وقرأ العامة: «لُبَداً» بضم اللام وفتح الباء.
وشدَّد أبُو جعفرٍ الباء جمع لابِدٍ، مثل: راكع وركع، وساجد وسُجَّد، وعنه أيضاً: سكونها.
ومجاهدٌ وابنُ أبِي الزِّناد: بضمتين، وتقدم الكلام على هذه اللفظة في سورة: «الجن» .
قال أبو عبيدة: «لُبَداً» : فعل من التلبيد، وهذا المال الكثير، بعضه على بعض.
قال الزَّجَّاجُ: و «فعل» للكثرة، يقال: رجل حطم، إذا كان كثير الحطم.
قال الفراءُ: واحدته: «لُبْدَة» و «لُبَدٌ» : جمع.
وجعل بعضهم: واحد، ك «حطم» ، وهو في الوجهين للكثرة، والمعنى: أنفقت مالاً كثيراً مجتمعاً؛ لأن أهل الجاهلية يدعونه مكارم ومفاخر.
قوله: {أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} ، أي: أيظن أن لم يعاينه أحد، بل علم الله ذلك منه، فكان كاذباً، في قوله: أهلكت، ولم يكن أنفقه. وقال: أيظن أن لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: كان أبو الأشدين يقول: أنفقت في عداوة محمد مالاً كثيراً، وهو في ذلك كاذب.