للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحال. وقد منع أبو البقاء هذا الوجه، بناءً منه على مذهبه في ذلك.

وقوله: «وَلَا هُمْ يَنْظَرُونَ» .

قال مَكِّيٌّ رَحِمَهُ اللهُ: هو ابتداءٌ وخبرٌ في موضع الحال من الضَّمير في «خالدين» أو من الضَّمير في «عَنْهُمْ» .

فصل في وصف العذاب

اعلم أنه تعالى وصف هذا العذاب بثلاثة أمورٍ:

أحدها: الخلود، وهو المكث الطَّويل عِنْدنا، أو المكث الدَّائم عند المعتزلة.

وثانيها: عدم التخفِيفِ، ومعناه أنّ العذابَ في الأوقاتِ كلِّها متشابهٌ؛ لا يكون بعضُه أقَلَّ من بَعْضٍ.

فَإِن قيلّ: هذا التَّشْبيهُ مُمْتَنعٌ؛ لوجوهٍ:

أحدها: أَنَّه إذا تصوَّر حال غيره من شدَّة العذب، كان ذلك كالتَّخفيف عنه.

وثانيها: أنَّه تعالى يزيد علَيْهِمْ في أقوات، ثمَّ تنقطع تلْك الزِّيادةُ فيكونُ ذلك تَخفيفاً.

وثالثها: أنه حين يخاطبهم بقوله تعالى: {اخسئوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] لا نشكُّ أنَّه يزادُ عنْهم في ذلك الوَقْت.

فالجوابُ أَنَّ التفاوتُ في هذه الأمُورِ قليلٌ، فالمستَغرِقُ في العَذَاب الشّدِيد لا ينْتبه لهذا القدْر القليل منَ التَّفاوتُ، وهذه الآية تَدُلُّ على دوام العذاب، وأبديتِه، فإنَّ الواقعَ في [محْنَةٍ] عظيمةٍ [وشدةٍ] في الدُّنْيَا، إذا بُشِّرَ بالخَلَاص، وقيل له: إنَّك تَخلُصُ من هذه الشِّدَّة بعد أيَّامٍ، فإنَّه يَفْرَح ويسْهُلُ عليه موقع هذه المحنة.

الصفة الثانية: قوله «وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ» والإنظارُ: هو التأْجيلُ والتأخيرُ؛ قال سُبحانه {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] والمعنى: أن عذابَهُمْ لا يُؤجَّل، بل يكون حاضراً متَّصِلاً بعذاب مثله؛ ووجه اتِّصال هذه الآية بها قبلها: أنَّه تعالى لمَّا حّذَّر من كتْمَان الحقِّ بين أن أوَّل ما يجبُ إظهارُهُ ولا يجوزُ كتمانُهُ أمْرُ التوحيدِ، ووَصَل ذلك بذكْر البُرْهان، وعلَّم طريقَ النَّظَر، وهو الفكْرُ في عجائِبِ الصُّنْع؛ ليعلم أنَّه لَا بُدَّ منْ فاعل لا يشبهُه شَيْءٍ:

ويحتمل أن يكون من النَّظَرِ؛ كقوله: {وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة} [آل عمران: ٧٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>