الواحد والجمع، وهو محجوجٌ بما تقدَّم من التثنية، ولم يذكر لاختياره وجهاً، وإذا أفرد «فلك» ن فهو مذكَّر؛ قال تعالى:{فِي الفلك المشحون}[يس: ٤١] . وقال جماعةٌ، منهم أبو البقاء: يجوزُ تَأْنيثُهُ؛ مستدلِّين بقوله:{والفلك التي تَجْرِي فِي البحر} فوصفه بصفة التأنيث، ولا دليل في ذلك؛ لاحتمال أن يراد به الجمع؛ وحينئذٍ فيوصف بما يوصف به المؤنثة الواحد.
قال الواحديُّ: وأصله من الدَّوَرَان، فكل مستدير فلك، ومنه «فَلَكُ السَّمَاءٍ» ؛ لدوران النُّجوم فيه، و «فَلْكَةُ المِغْزَلِ»[وفَلكَتِ الجَارِيَةُ: استدارَ نَهْدُها] ، وسُمِّيت السَّفينة فُلْكا لأنَّها تدور بالماء أسهل دورٍ.
وجاء بصلة «الَّتِي» فعلاً مضارعاً؛ ليدلَّ على التجدُّد والحدوث، وإسناد الجري إليها مجازٌ، وقوله:«فِي البَحْرِ» توكيدٌ؛ إذ المعلوم أنَّها تجري في غيره؛ كقوله {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}[الأنعام: ٣٨] .
فالأوَّل يمتدُّ طوله [من المغرب إلى المَشْرقِ] ، من أقصى أرض الحبشة إلى أٌصى أرض الهند، ويخرج منه خليج عند أرض الحبشة يمتد إلى ناحية البربر، يسمَّى البربريُّ، وخليج بحر أيلة، وهو بحر القلزم، ينتهي إلى البحر الأخضر على شرقيّ أرض اليمن وعلى غربيّ أرض الحبشة، وخليج بحر فارس يسمى الفارسي وهو بحر البصرة على شرقي تيز ومكران، وعلى غربيه غمان وبين هذين الخليجين خليج أيلة، وخليج فارس الحجاز واليمن، وبلاد المغرب وخليج رابع إلى أٌصى الهند يسمَّى الأخضر، وفي بحر الهند ألف وثلثمائة وسبعون جزيرة منها سرنديب عند بلاد الصين يحيط بها لثلاثة الآف ميل فيها جبالٌ وأنهارٌ، ومنها يخرجُ الياقوتُ الأحمر.
وأمَّا بحر المغرب، فهو المحيط ويسمِّيه اليونانيُّون: أوقيانوس، ويتًّل به بحر الهند، وطرفه في ناحية المغرب والشمال محاذياً لأرض الروم والصقالبة ويأخذ في الجنوب محاذياً لأرض السُّودان مارّاً على [حدود السّوس، وطنحة وتاهرت] ، ثم الأندلس والجلالقة والصَّقالبة، ثم يمتد من هناك وراء الجبال غير المسلوكة والأراضي غير المسكونة نحو بحر المشرق، وهذا البحر لا تجري فيه السُّفن إلا بقرب ساحله، وفيه