من الآيات العظيمة الدَّالَّة على وجود الصانع المدبِّر القدير.
قوله تعالى: «فَأَحْيَا بِهِ» عطف «أحْيَا» على «أَنْزَلَ» الَّذي هو صلة بفاء التَّعقيب، دلالة على سُرعة النبات، و «بِهِ» متعلِّق ب «أَحْيَا» والباءُ يجوزُ أن تكون للسَّبب، وأن تكون باء الإله، وكلُّ هذا مجازٌ؛ فإنَّه متعالٍ عن ذلك، والضميرُ في «به» يعود على الموصول.
فصل في دلالة إحياء الأرض بعد موتها على وجود الصانع
اعلم أنَّ «أحْيَا الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» يدلُّ على وجود الصانع من وجوه:
[فإنَّ نفس الزَّرع وخروجه على هذا الحدِّ ليس في مقدور أحدٍ.
واختلاف ألوانه على وجه] [لا يُحَدُّ، ولا يُحْصَى] ، واختلاف الطُّعُوم والروائح، مع كونه يسقى بماء واحدٍ.
واستمرار العادة بذلك في أوقات مخصوصةٍ، فإنَّ ظهور النَّبات من الكلأ، والعشب، وغيرهما، لولاه ما عاش دوابُّ الأرض، ولما حصلت أقوات العباد [وملابسهم] .
وهذا لا بُدَّ له من [مُدَبِّر] ، حكيمٍ، قادرٍ.
وووصف اأرض بالحاية بعد الموت مجازٌ؛ لأنَّ الحياة لا تصحُّ إلَاّ على من يدرك، ويصحُّ أن يعلم، وكذلك الموت؛ إلَاّ أنَّ الجسم، إذا صار حيّاً، حصل فيه أنواعٌ من الحسن، ونضرة، ونور، ورونق، وذلك لشبهه [بالحياة] ، وموتها [يبسها، وجدبها] ، وهذا مجاز أيضاً؛ لشبهة بالموت.
قوله تعالى: «وَبَثَّ فِيهَا» يجوز في «بَثَّ» وجهان:
أظهرهما: أنَّهما عطفٌ على «أَنْزَلَ» داخلٌ تحت حُكم الصِّلة؛ لأنَّ قوله «فَأَحْيَا» عطفٌ على «أَنْزَلَ» فاتصل به، وصارا جميعاً كالشَّيء الواحد، وكأنه قيل: «وَمَا أَنْزَلَ في الأَرْضِ مِنْ مَاءٍ، وبَثَّ فيها من كُلِّ دابِّة؛ لأنَّهم يَنْمُونَ بالخِصْبِ، ويَعِيشُون بالحَيَا» : قاله الزمخشريُّ.
والثاني: أنه عطفٌ على «أَحْيَا» .
واستشكل أبو حيَّان عطفه [عليها؛ لأنَّها صلةٌ للموصول، فلا بُدَّ من ضمير يرجع