وقد لَحَنَ عَمَارَةُ بْنُ بِلَالٍ، فقال «الأرْيَاحَ» في شعره، فقال له أبو حَاتِم:«إنَّ الأرْيَاحَ لا تجُوزُ» فقال له عمارةُ: ألَا تَسْمَعُ قولهم: رِيَاحٌ؟ فقال أبو حاتمِ: هذا خلاف ذلك، فقال: صَدَقْتَ، ورجع.
قال أبُو حَيَّان: وفي محفوطي قديماً؛ أنَّ «الأَرْيَاح» جاء في شعر بعض فُصَحَاءِ العَرَب المستَشْهَد بكلامهم، كأنَّهم بنوه على المفرد، وإن كانت علّضة القلب مفقودةً في الجمع، كما قالوا:«عيدٌ وأعْيَادٌ» والأصلُ «أَعْوَاد» ؛ لأنَّه من:«عَادَ يَعُودُ» ، لكنه لما ترك البَدَل، جعل كالحرف الأصليِّ.
قال شِهِابُ الدِّيِن: ويؤيد ما قاله الشَّيْخُ أن التزامَهُمُ «الياء» في «الأَرْيَاحِ» ؛ لأجل اللَّبس [بينه، وبين «أَرْوَاح» جمع «رُوح» ، كام قالوا: التُزمت الياء في «أعْيَاد؛ فَرْقاً] بينه وبين» أعْوَاد «جمع عود الحطب؛ كما قالوا في التصغير:» عُيَيْد «دون» عُوَيْد «؛ وعلَّلوه باللَّبْس المذكور.
وقال أبو عليٍّ:[يجمع] في القليل» أرْوَاح «وفي الكثير» رِيَاح «.
قال ابن الخطيب وابن عطِيَّة:» وجاءت في القرآن مجموعةً مع الرَّحمة، مفردةً مع العذابِ، إلَاّ في قوله تعالى:{وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}
[يونس: ٢٢] وهذا أغلب وقوعها في الكلام، وفي الحديث:«اللهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحاً، وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحاً» ؛ لأنَّ رِيحَ العذَابِ شديدةٌ ملتئمةُ الأجْزاءِ، كأنَّهَا جسْمٌ واحدٌ، وريح الرَّحْمَة ليِّنَةٌ متقطِّعَةٌ، وإنما أُفْرِدَتْ مع الفُلْكِ - يعني في يونس - لأنَّها لإجراء السُّفُن، وهي واحدةٌ متَّصِلَةٌ؛ ثمَّ وصفت بالطَّيِّبَةِ، فزال الاشتراك بينها، وبين ريح العذاب «. انتهى.
وردَّ بعضهم هذا؛ باختلاف القُرَّاء في اثْنِي عَشَرَ موضعاً في القرآن، وهذا لا يَرُدُّه لأنَّ من جمع في الرَّحمة، فقد أتى بالأصل المُشِار إليه، ومن أفرد في الرّحمة، فقد أراد الجنس، [وأما الجمع في العذاب، فلم يأتِ أصلاً] ، وإما الإفراد فإن وصف، كما في يونس من قوله:» بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «فإنَّه مزيلٌ للَّبس، وإن أطْلَقَ، كان للعذَابِ، كما في الحديث، وقد تختصُّ اللفظة في القرآن بشيءٍ، فيكون أمارةً له، فمن ذلك: ان عامَّة ما في القرآن من قوله: {يُدْرِيكَ}[الشورى: ١٧] مبهمٌ غير مبيَّن، قال تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ}[الشورى: ١٧] وما كان من لفظ» أَدْرَاك «فإنَّه مفسَّر؛ كقوله تعالى:{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}[القارعة: ١٠ - ١١] .