بالرَّحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبُّوها واسألوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرِّها.
قال ابن الأعرابيِّ: النَّسيم أوَّل هبوب الريح.
فصل في بيان دلالة الآية على الوحدانية
فأما وجه الاستدلال بها على وحدانيَّة الله تعالى الصَّانع، فإنَّه صرَّفها على وجه النَّفع العظيم في الحيوان، فإنَّها مادَّة النَّفس الَّذي لو انقطع ساعةً في الحيوان، لمات.
قيل: إنَّ كلَّ ما كانت الحاجة إليه أشدَّ، كان وجدانه أسهل، ولما كان احتياج الإنسان إلى الهواء أعظم الحاجات؛ حتى لو انقطع عنه لحظة، لمات؛ لا جرم كان وجدانه أسهل من وجدان كلِّ شيءٍ.
وبعد الهواء الماء؛ لأنَّ الحاجة إلى الماء أيضاً شديدةٌ؛ فلا جرم أيضاً سهل وجدان الماء، ولكنَّ وجدان الهواء أسهل؛ لأنَّ الماء لا بُدَّ من تكلُّف الاغتراف، بخلاف الهواء؛ فإنَّ الآلات المهيئة لجذبه حاضرةٌ أبداً.
ثم بعد الماء: الحاجة إلى الطَّعام شديدةٌ، ولكن دون الحاجة إلى الماء؛ فلا جرم كان تحصيل الطَّعام أصعب من تحصيل الماء؛ لأنَّه يحتاجُ إلى تكلُّفٍ أكثر، والمعاجين والأدوية تقلُّ الحاجة غليها؛ فلا جرم عسرت وقلَّت، ولمَّا عظمت الحاجة إلى رحمة الله تعالى، ننرجو أن يكون وجدانها أسهل من وجدان كلِّ شيءٍ، ولولا تحرُّك الرياح، لما جرت الفلك، وذلك ممَّا لا يقدر عليه أحدٌ إلَاّ الله تعالى، فلو أراد كلُّ من في العالم ان يقلب الرياح من الشَّمال إلى الجنوب، او إذا كان الهواء ساكناً، أن يحركه، لم يقدر على ذلك.
قوله تعالى:«والسَّحَابِ» اسم جنس، واحدته «سَحَابَةٌ»[سُمِّي بذلك] ؛ لانسحابه في الهواء؛ كما قيل له «حَباً» لأنَّه يحبو، ذكره أبو عليٍّ.
قال القرطبيُّ: ويقال: سَحَبْتُ ذَيْلِي سَحْباً، وتَسَحَّبَ فُلَانٌ على فُلَانٍ؛ والسَّحْبُ شدة الأكل والشُّرب؛ وباعتبار كونه اسم جنس، وصفه بوصف الواحد المنكِّر في قوله:«المُسَخَّرِ» كقوله: {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}[القمر: ٢٠] ولما اعتبر معناه تارةً أخرى، وصفه بما يوصف به الجمع في قوله:«سَحَاباً ثِقَالاً» ويجوز أن يوصف به المؤنَّثة الواحدة؛ كقوله:{أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة: ٧] وهكذا: كلُّ اسم جنسٍ فيه لغتان: التذكير باعتبار اللّفظ، والتأنيث باعتبار المعنى.
والتَّسخير: التذليل، وجعل الشَّيء داخلاً تحت الطَّوْع، وقال الرَّاغب: هو القهر على الفعل، وهو أبلغ من الإكراه.
قوله تعالى:«بَيْنَ السَّماءِ والأَرْضِ» في «بَيْنَ» قولان: