[وأنه إنما قال: تواباً، لأن القائل قد يقول: أستغفر الله، وليس بتائب كقول المستغفر بلسانه المصر بقلبه، كالمستهزئ.
فإن قيل قد يقول: أتوب، وليس بتائب.
فلنا: فإذن يكون كاذباً، فإن التوبة اسم للرجوع، أو الندم بخلاف الاستغفار، فإنه لا يكون كاذباً فيه، فيكون تقدير الكلام: وأستغفر الله بالتوبة، وفيه تنبيه على خواتم الأعمال] .
والجواب عن الثالث: أنه راعى العدل، فذكر اسم الذَّات مرتين، وذكر اسم الفعل مرتين؛ أحدهما: الرب والثاني: التواب، فلما كانت التربية تحصل أولاً، والتوبة آخراً، لا جرم ذكر اسم الرب أولاً، واسم التوبة أخراً.
فصل في نزول السورة
قال ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - نزلت هذه السورة ب «منى» في حجة الوداع ثُمَّ نزلت: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}[المائدة: ٣] فعاش صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعدها خمسين يوماً، ثم نزل:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}[التوبة: ١٢٨] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً، ثم نزلت:{واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله}[البقرة: ٢٨١] فعاش بعدها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أحداً وعشرين يوماً.
وقال مقاتل: سبعة أيام.
وقيل غير ذلك.
فصل
قال ابن الخطيب: اتفق الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
فإن قيل: كيف دلت السورة على هذا المعنى؟ .
فالجواب من وجوه:
أحدها: قال بعضهم: إنما عرفوا ذلك لما روي أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خطب عقيب السورة، وذكر التخيير.
وثانياً: أنه لما ذكر حُصول النَّصر، ودخول النَّاس في دين الله أفواجاً، دل ذلك على حصول التمام، والكمال، وذلك يستعقبه الزَّوال؛ كما قيل:[المتقارب]