شخصٌ متَّخذٌ، وأفرد الضمير في «يَتَّخِذُ» ؛ حملاً على لفظ «مَنْ» و «يَتَّخِذُ» : يفتعل، من «الأَخْذ» ، وهي متعدِّية إلى واحد، وهو «أنداداً» .
قوله تعالى:«مِنْ دُونِ اللهِ» : متعلِّق ب «يَتَّخِدُ» ، والمرابد ب «دُونِ» [هنا «غَيْرَ» ] . وأصلها إذا قلت:«اتَّخَذْتُ مِنْ دُونِكَ صَدِيقاً» ، أصله: اتخذت من جهةٍ ومكانٍ دون جهتك، ومكانك صديقاً، فهو ظرف مجازيٌّ، وأذا كان المكان المتَّخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطَّةً عنه، ودونه؟ لزم أن يكون غيراً، [لأنه ليس إيَّاه، ثم حُذِف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، مع كونه غيراً] ، فصارت دلالته على الغيريَّة بهذا الطريق، لا بطريق الوضع لغةً، وتقدَّم تقرير شيء من هذا أوَّل السُّورة.
فصل في اختلافهم في المراد بالأنداد
اختلفوا في «الأَنْدَاد» ، فقال أكثر المفسِّرين: هي الأوثان التي اتَّخذوها آلهةً، ورجعوا من عندها النف والضُّرَّ، وقصدوها بالمسائل، وقرَّبوا لها القرابين؛ فعلى هذا: الأصنام بعضها لبعضٍ أندادٌ أي أمثالٌ، والمعنى: أنَّها أندادٌ لله تعالى؛ بحسب ظنونهم الفاسدة.
وقال السُّدِّيُّ: إنَّها السَّادة الَّذين كانوا يطيعونهم، فيحلون لمكان طاعتهم في أنَّهم يحلُّون ما حرّم الله، ويحرِّمون ما أحلَّ الله؛ ويدلُّ على هذا القول وجوه:
الأوَّل: ضمير العقلاء في «يُحِبُّونَهُمْ» .
والثاني: يبعد أنَّهم كانوا يحبُّون الأصنام كحبِّ الله تعالى، مع علمهم بأنها لا تضر، ولا تنفع.
الثالث: قوله بعد هذه الآية: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا}[البقرة: ١٦٦] ؛ وذلك لا يليق إلَاّ بالعقلاء.
وقال الصُّوفية: كلُّ شيءٍ شغلت قلبك به سوى الله تعالى، فقد جعلته في قلبك ندّاً لله تعالى؛ ويدلُّ عليه قوله تبارك وتعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ}[الجاثية: ٢٣] .
قوله تعالى:«يُحِبُّونَهُمْ» في هذ الجلمة ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أن تكون في محلِّ رفع؛ صفة ل «مِنْ» في أحد وجهيها، والضمير المرفوع يعود عليها؛ باعتبار المعنى، بعد باعتبار اللَّفظ في «يَتَّخِذُ» .