أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} [التوبة: ٣١] ، وقد يقال: «ملك النَّاس» ، وأما «إله النَّاس» فخاص لا شركة فيه، فجعل غاية للبيان.
واعترض أبو حيَّان: بأن البيان يكون بالجوامد، ويجاب عنه بأن هذا جارٍ مجرى الجوامد وقد تقدم تقريره في «الرحمن الرحيم» أول الفاتحة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل: «بربِّ النَّاس» مضافاً إليهم خاصة؟ .
قلت: لأن الاستعاذة وقعت من شر الوسواس في صدور الناس، فكأنه قيل: أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم.
قال الزمخشري: «فإن قلت: فهلَاّ اكتفي بإظهار المضاف إليه الذي هو النَّاس مرة واحدة؟ لأن عطف البيان للبيان، فكان مظنةً للإظهار دون الإضمار» .
وكرر لفظ «النَّاس» ؛ لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار، ولأن التكرار يقتضي مزيد شرف الناس، وأنهم أشرف مخلوقاته.
قال ابن الخطيب: وإنما بدأ بذكر الرب تعالى، وهم اسم لمن قام بتدبيره، وإصلاحه من أوائل نعمه إلى أن رباه، وأعطاه العقل، فحينئذ عرف بالدليل أنه مملوك وأنه ملك، فثنى بذكر الملك، ثم لما علم أن العبادة لازمة له، وعرف أنه معبود مستحق للعبادة وعرفه أنه إله فلهذا ختم به.
قال ابن الخطيب: ولم يقرأ في المشهورة هنا «مالك» بالألف، كما قرئ به في الفاتحة، لأن معنى المالك هو الربُّ، فيلزم التكرار.
وقرئ به في الفاتحة، لاختلاف المضافين، فلا تكرار.
قوله: {مِن شَرِّ الوسواس} .
قال الزمخشري: «اسم بمعنى الوسوسة، كالزلزال بمعنى الزلزلة، وأما المصدر: فوِسْواس - بالكسر» كزِلْزَال «، والمراد به الشيطان، سمي بالمصدر كأنه وسوسة في نفسه، لأنها صنعته، وشغله الذي هو عاكف عليه، وأريد ذو الوسواس» . انتهى، وقد مر الكلام معه أن المكسور مصدر، والمفتوح اسم في «الزلزلة» ؛ فليراجع.
والوَسْوَسَةُ: حديث النفس، يقال: وسوست إليه نفسه وَسْوَسة ووِسْوَسة - بكسر الواو - قاله القرطبي.
ويقال لهمس الصائد، والكلاب، وأصوات الحليّ: وسواس.