سواه، والمشركون إذا اتَّخذوا صَنَماً، ثم رأوا أحسن منه، طرحوا الأوَّل، واختاروا الثَّاني قاله ابن عبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهما.
وقال قتادة: إن الكافِرَ يُعْرِضُ عن معبودِهِ في وقت البَلاء، ويُقبل على الله تعالى [كما أخبر الله تعالى عنهم، فقال:{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ}[العنبكوت: ٦٥] والمؤمن لا يُعْرِضُ عن الله] في السَّرَّاءِ والضَّرَّاء، والشِّدَّة والرَّخاء؛ وقال سعيد بن جُبير: إِنَّ الله - عزَّ وجلّ - يأمُر يَوْم القيامةِ من أحرق نفسه في الدُّنيا على رُؤية الأصنام: أنْ يَدْخُلُوا جهنَّمَ مع أصنامِهِم، فلا يَدْخُلُون؛ لعلمهم أن عذابَ جَهَنَّم على الدوام، ثم يقول للمؤمنين، وهم بين أَيدِي الكفَّار: إنْ كُنْتُم أحِبَّائي فادْخُلُوا جَهَنَّم فيقتحمون فيها، فيُنادي مُنادٍ منْ تحت العرش {والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} .
وقيل: وإنَّما قال: {والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} ؛ لأنَّ الله تبارك تعالى أحَبَّهم أوَّلاً، ثم أحبُّوه، ومَنْ شهد له المعبود بالمحبّة، كانت محبته أتمَّ؛ قال الله تعالى:«يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَه» .
فإن قيل: كيف يمكن أن تكون محبَّةُ المؤمن لله أشَدَّ مع أنَّا نَرَى اليهود يأتُون بطاعاتٍ شاقَّة، لا يأتي بمثلها أحَدٌ من المُؤمنين، ولا يأتُون بها إلا الله تعالى، ثم يقتلون أنفُسهم حبّاً لله؟ والجوابُ من وجوه:
أحدها: ما تَقَدَّم من قول ابن عَبَّاس، وقتادة، وسعيد بن جبير.
وثانيها: أنَّ مَنْ أحب غيره رضي بقضائه، فلا يتصرف في مُلْكه، فأولئك الجُهَّال [قَتَلُوا أنْفُسَهُمْ بِغَيْرِ إذْنه، إنَّما المُؤمنون الذي يقتلُون أنْفُسَهم بإذْنِه، وذلك في الجهاد] .
وثالثها: أنَّ الإنسَانَ، إذا ابتلي بالعَذَاب الشَّديد لا يمكنُهُ الاشتغال بمعرفة الرَّبِّ، فالذي فعلوه باطلٌ.
ورابعها: أنَّ المؤمنين يوحِّدون ربَّهم، فمحبتهم مجتمعةٌ لواحدٍ، والكفَّارُ يعبدون مع الصنم أصناماً، فتنقص مبحَّة الواحد منهم، أما الأإله الواحد فتنضم محَّبة الجمع إليه.
قوله تعالى:{وَلَوْ يَرَى الذين ظلموا} جواب «لَوْ» محذوفٌ، واختلف في تقديره، ولا يظهر ذلك إلَاّ بعد ذكر القراءات الواردة في ألفاظ هذه الآية الكريمة. قرأ عامر ونافعٌ:«وَلَو تَرَى» بتاء الخطاب، «أنَّ القُوَّة» و «أَنَّ اللهَ» بفتحهما.
وقرأ ابن عامر:«إِذْ يُرَوْنَ» بضم الياء، والباقون بفتحها.