للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الحج: ١٥] ثم أطلق على كلِّ ما يُتَوَصَّلُ به إلى شَيْءٍ، عَيْناً كان أو معنى، وقيل للطَّريق: سَبَبٌ؛ لأنَّك بسُلُوكِهِ تَصِلُ إلى المَوْضع الذي تريدُهُ؛ قال تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَباً} [الكهف: ٨٥] أي: طريقاً، وأسبابُ السَّموات: أَبوابُها؛ قال تعالى مُخْبِراً عن فِرْعُونَ:

{لعلي أَبْلُغُ الأسباب أَسْبَابَ السماوات} [غافر: ٣٦ - ٣٧] وقد تُطْلَقُ الأسبابُ على الحوادِثِ؛ قال زُهَيْرٌ: [الطويل]

٨٨٣ - وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ... وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ

وقد يُطْلَق السَّبَب على العِلْمِ؛ قال سُبحَانهُ وتعالى: {مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} [الكهف: ٨٤] أي؛ عِلماً، وقد وجد هنا نَوعٌ منْ أنواع البَدِيع، وهو التَّرْصِيع، وهو عبارةٌ عن تسجيع الكلامِ، وهو هنا في موضعين.

أحدهما: {اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا} ؛ ولذلك حذف عائد المَوْصُول الأوَّل، فلم يَقُلْ {منالذين اتبعوهم} ؛ لفواتِ ذلك.

والثَّاني: {وَرَأَوُاْ العذاب وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب} ، وكقوله {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة: ٢٧٦] .

قوله تعالى: {وَقَالَ الذين اتبعوا} ، يعني: الأَتْبَاع: {لَوْ أَنْ لنَا كَرَّةً} أي: رجعةً إلى الدُّنيا، والكرَّةُ: العودَة، وفِعْلُها كَرَّ يَكُرُّ كَرّاً؛ قال القائل في ذلك: [الوافر]

٨٨٤ - أَكُرُّ عَلَى الْكِتيبَةِ لَا أُبَالِي ... أَفِيهَا كَانَ حَتْفِي أَمْ سَوَاهَا

قوله تعالى: «فَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ» منصوبٌ بعد الفاءِ ب «أنْ» مضمرة في جواب التمنِّي الَّذي أُشْرِبَتْهُ «لَوْ» ولذلك أجيب بجواب «لَيْتَ» الذي في قوله:

{ياليتني

كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} [النساء: ٧٣] وإذا أُشْرِبَتْ معنى التمنِّي، فهلْ هي الامتناعيَّةُ المفتقرة إلى جوابٍ، أم لا تحتاجُ إلى جوابٍ.

الصحيحُ: أنها تحتاجُ إلى جوابٍ، وهو مقدّر في الآية الكريمة تقديرُهُ تَبَرَّأْنَا ونحو ذلك، وأَمَّا مَنْ قال بأنَّ «لَو» الَّتي للتمنِّي لا جوابَ لها؛ فاستدَلَّ بقول الشَّاعر: [الوافر]

٨٨٥ - وَلَوْ نُبِشَ المَقَابِرُ عَنْ كُلَيْبٍ ... فَيُخْبَرَ بالذَّنائِبِ أَيُّ زِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>