والكاف ليست بزائدةٍ، خلافاً لبعضهم؛ فإنَّ الصِّفة ليست عين الصِّفة الأخرى، فلا بُدَّ من الكاف؛ حتى أنه لو جاء الكلام دون الكاف، اعتقدنا وجودها تقديراً تصحيحاً للمعنى.
وقد تلخَّص ممَّا تقدَّم: أنَّ «مَثَلُ الَّذِينَ» مبتأٌ، و «كَمَثَلِ الَّذِي» خبره: إمَّا من غير اعتقاد حذف، أو على حذف مضافٍ من الأوَّل، أي:«مثلُ:» داعي الَّذين «، أو من الثَّاني، أي:» كَمَثَلِ بَهَائِم الَّذِي «، أو على حذفين: حذف من الأوَّل ما أثبت نظيره في الثَّاني، ومن الثَّاني ما أثبتَ نظيره في الأوَّل؛ كما تقدَّم تحريره.
والنعيق دعاء الرَّاعي، وتصويته بالغنم؛ قال الأخطل في ذلك:[الكامل]
قال القتيبيُّ: لم يكن جرير راعي ضأنٍ، وإنَّما أراد أنَّ بني كُلَيبٍ يُعَيَّرُونَ برعْيِ الضأن، وجرير منهم؛ فهو من جَهَلتهم، والعرب تضرب المثل في الجهل براعي الضَّأن، ويقولون: أجْهَلُ من رَاعِي ضَأْنٍ.
يقال: نَعَقَ، بفتح العَيْنِ، يَنْعِقُ، بكَسْرها، والمصدرُ النَّعيقُ والنُّعَاقُ، والنَّعْقُ، وأما «نَعَقَ الغُرَابُ» ، فبالمعجمة، وقيل: بالمهملة أيضاً في الغُرَاب، وهو غريبٌ.
قال بعضهم: إنَّ الياء والنُّون من قوله: «يَنْعِقُ» من نصف هذه السُّورة الأوَّل، والعَيْنَ والقَافَ من النصف الثَّاني.
«إلَاّ دعاء» : هذا استثناءٌ مفرَّغٌ؛ لأن قبله «يَسْمَعُ» ولم يأخذ مفعوله وزعم بعضهم أن «إلَاّ» زائدةٌ، فليس من الاستثناء في شيء، وهذا قولٌ مردودٌ، وإن كان الأصمعيُّ قد قال بزيادة «إلَاّ» في قوله: [الطويل]
٨٩٧ - حَرَجِيجُ لا تَنْفَكُّ إلَاّ مُنَاخةً ... عَلَى الخَسْفِ أو نَرْمِي بِهَا بَلَداً قَفْراً
فقد ردَّ النَّاسُ عليه، ولم يقْبَلُوا قوله، وفي البيت كلامٌ تقدَّم.
وأورد بعضهم هنا سؤالاً معنويّاً، وهو أن قوله {لَا يَسْمَعُ إِلَاّ دُعَآءً وَنِدَآءً}[البقرة: ١٧١] ليس المسموع إلا الدعاء والنداء، فكيف ذمَّهم بأنَّهم لا يسمعون إلا الدعاء؛ وكأنَّه قيل: لا يسمعون إلَاّ المسموع، وهذا لا يجوز؟