للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ويكونُ ذلك على حَذْف مضافٍ، أي: «يَشْتَرونَ بِكَتْم ما أَنْزَلَ» .

قال ابنُ عَبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْه - وقتادَةُ والسُّدِّيُّ، والأصَمُّ وأبو مُسْلِمٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهم - كانوا يكتُمُونَ صفَةَ محمَّدٍ - عيله الصَّلاة والسَّلام - ونَعْتَهُ.

وقال الحسَنُ: كَتَمُوا الأَحْكَام، وهو قولهُ تبارَكَ وتعالى: {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأحبار والرهبان لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الناس بالباطل وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [التوبة: ٣٤] .

فصل في حقيقة الكتمان

اختلفوا في كيفيَّة الكتمان.

فروي عن ابن عبَّاس أَنَّهُم كانُوا يحرِّفون ظاهِرَ التَّوراةِ، والإنجيلِ.

قال المتكلِّمون: وهذا ممتنعٌ؛ لأنَّ التوراة والإنجيل كتابانِ، وقد بلغا من الشهرة إلى حدِّ التواتر؛ بحيث يتعذّر ذلك فيهما، وإِنَّما كانوا يكتُمُونَ التأويلَ، لأنَّه قَدْ كان منهم مَنْ يعرف الآياتِ الدالَّةَ على نبوة محمَّد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكانوا يذكُرُون لها تأويلاتٍ باطلةً، ويحرِّفونها عن محامِلها الصحيحة، والدَّالَّةِ على نبوَّة محمَّد - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهذا هو المرادُ من الكتْمَان، فيصير المعنى: الذين يكْتُمُون معاني ما أنزَلَ الله منَ الكتاب.

{وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} كقوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: ٤١] لأنَّه في نفسه قليلٌ ولأنَّه بالإضافة إلى ما فيه من القدر قليلٌ، ولما ذكر عنهم هذه الحكاية، ذكر الوعيدَ عليهم؛ فقال: {أولئك مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَاّ النار} .

قال بعضُهُم: ذكْرُ البطْنِ هنا زيادةُ بيانٍ؛ كقوله: {يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] وقال بعضهُم: بل فيه فائدةٌ؛ وقولُه «فِي بطُونِهِمْ» ، يقالُ: أَكَلَ فُلَانٌ فِي بَطْنِهِ وَأَكَلَ فِي بَعْضِ بَطْنِهِ.

فصل في أكلهم النَّار في الدنيا أم في الآخرة

قال الحسن، والرَّبيع، وجماعةٌ مِنْ أهلِ العلم إنَّ أكلَهُم في الدنيا وإن كان طيِّباً في الحال، فعاقبتُه النَّار؛ لأنَّه أكلُ ما يوجب النار؛ فكأنه أكْلُ النَّار؛ كما روي في حديث الشَّارب مِن آنيةِ الذَّهَب والفضَّة: «إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»

وقوله تبارَكَ وتَعَالى: {إني أراني أَعْصِرُ خَمْراً} [يوسف: ٣٦] أي: عِنباً؛ فهذا كلُّ من تسمية الشيء بما يؤولُ إلَيْه. وقال الأصمُّ إِنَّهم في الآخرةِ يَأكلُون النَّار؛ لأكلهم في الدنيا الحرامَ.

قوله: {إِلَاّ النَّارَ} استثناءٌ مفرَّغ؛ لأنَّ قبله عاملاً يطلبه، وهذا من مجازِ الكَلَامِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>