أي: كخلالة أبي مرحب] ، وهذا اختيار الفرَّاء، والزَّجَّاج، وقطرب.
وقال أبو عليٍّ: ومثل هذه الآية الكريمة قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج}[التوبة: ١٩] ، ثم قال:{كَمَنْ آمَنَ بالله}[التوبة: ١٩] ؛ ليقع التمثيل بين مصدرين، أو بين فاعلين؛ إذ لا يقع التمثيل بين مصدرٍ، وفاعلٍ.
الرابع: أن يطلق المصدر على الشَّخص مبالغةً؛ نحو: رجل عدل.
ويحكى عن المبرِّد:«لو كنت ممَّن يقرأ القرآن، لقرأت» وَلَكِنَّ البَرَّ «بفتح الباء» وإنَّما قال ذلك؛ لأن «البَرَّ» اسم فاعل، نقول بَرَّ يَبَرُّ، فهو بَارٌّ، فتارة تأتي به على فاعل، وتارة على فعل.
الخامس: أن امصدر وقع موقع اسم الفاعل، نحو: رجل عدلٌ، أي: عادل، كما قد يقع اسم الفاعل موقعه، نحو: أقائماً، وقد قعد الناس؛ في قولٍ، هذا رأي الكوفيين، والأولى فيه ادِّعاء أنه محذوفٌ من فاعلٍ، وأن أصله: بارٌّ، فجعل «برّاً» ، وأصله ك «سِرٍّ» ، و «رَبٌّ» أصله «رابٌّ» ، وقد تقدم.
وجعل الفراء «مَنْ آمَنَ» واقعاً موقع الإيمان، فأوقع اسم الشخص على المعنى كعكسه؛ كأنه قال:«وَلَكِنَّ البِرَّ الإيمانُ باللهِ» قال: والعَرَبُ تجعل الاسم خبراً للفعل، وأنشد في ذلك:[الطويل]
جعل نبات اللحية خبراً للفتيان، والمعنى: لعمرك ما الفتوَّة أن تنبت اللِّحى.
وقرأ نافعٌ، وابن عامر:«وَلَكِن البِرُّ» هنا وفيما بعد بتخفيف «لَكِنْ» وبرفع «البِرُّ» ، والباقون بالتَّشديد، والنَّصب، وهما واضحتان ممَّا في قوله:{ولكن الشياطين كَفَرُواْ}[البقرة: ١٠٢] .
وقرئ:«وَلِكنَّ البَارَّ» بالألف، وهي تقوِّي أنَّ «البِرَّ» بالكسر المراد به اسم الفاعل، لا المصدر.
قال أبو عُبَيْدَةَ:«البِرُ» هاهنا بمعنى البَارِّ، كقوله:{والعاقبة للتقوى}[طه: ١٣٢] أي: للمتَّقين، ومنه قوله تعالى:{إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً}[الملك: ٣٠] أي: غائراً، وقالت الخنساء:[البسيط]