الآية ترتيب الوجود الخارجيِّ، لا الترتيب الذهنيُّ؛ فدخل تحت الإيمان بالله معرفته، ودخل تحت الإيمان باليوم الآخر معرفة ما يلزم من أحكام العقاب، والثَّواب، والمعاد، ودخل تحت الإيمان بالملائكة ما يتَّصل بإتيانهم الرسالة إلى الأنبياء؛ ليؤدُّوها إلينا إلى غير ذلك ممَّا يجب أن يعلم من أحوال الملائكة، ودخل تحت الإيمان بالكتاب القرآن، وجميع ما أنزل الله على أنبيائه، ودخل تحت الإيمان بالنَّبِيِّين الإيمان بنبوِّتهم، وصحَّة شريعتهم، فلم يبق شيءٌ مما يجب الإيمان به، إلَاّ دخل تحت هذه الآية.
وتقرير آخر: وهو أنَّ للمكلَّف مبتدأً ووسطاً، ونهايةً، ومعرفة المبدأ والنهاية؛ هو المراد من الإيمان بالله تعالى، واليوم الآخر.
وأمَّا معرفة الوسط، فلا يتمُّ إلَاّ بالرِّسالة، وهي لا تتمُّ إلا بثلاثة أمور:
الملك الآتي بالوحي، ونفس الوحي، وهو الكتاب، والموحى إليه، وهو الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.
وفي تقديمه الإيمان على أفعال الجوارح؛ من إيتاء المال، والصلاة، والزَّكاة - تنبيهٌ على أن أعمال القلوب أشرف من أعمال الجوارح.
الأمر الثاني من الأمور المعتبرة في تحقيق البرِّ قوله:{وَآتَى المال على حُبِّهِ}[البقرة: ١٧٧] ، فالجار والمجرور في محلِّ نصب على الحال اعامل في «آتي» أي: آتي المال حال محبَّته له، واختياره إيَّاه، والحُبُّ: مصدر «حَبَبْتُ» ، لغةً في «أَحْبَبْتُ» ؛ كما تقدَّم، ويجوز أن يكون مصدر الرُّباعيِّ على حذف الزوائد، ويجوز أن يكون اسم مصدر، وهو الإحباب؛ كقوله:{والله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً}[نوح: ١٧] والضمير المضاف إليه هذا المصدر فيه أربعة أقوال:
أظهرها: أنه يعود على المال؛ لأنَّه أبلغ من غيره.
قال ابن عبَّاس، وابن مسعود:«هو أن تُؤْتيَهُ، وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تَأْمُلُ الغِنَى، وتخشَى الفَقْر، وَلَا تُهْمِلْ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلَانِ كَذَا، ولِفُلَانِ كذا» وهذا بعيدٌ من حيث اللفظ ومن حيث المعنى.
أمَّا من حيث اللفظ: رواية أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: يَا رَسُولَ الله، أيُّ الصَّدَقةِ أعْظَمُ أجراً؟ قال:«أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ» وذكره.