فصل في دلالة الآية على كون الفاسق مؤمناً
نقل أابن عبَّاس تمسَّك بهذه الآية كَوْ الفاسِق مؤمناً مِنْ ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّه تعالى سمَّاه مؤمناً، حال ما وجَبَ القِصَاص علَيْه: وإِنَّما وجب القِصَاصُ عليه إذا صدر القتل العمدُ العدوان، وهو بالإِجْماع من الكبائرِ؛ فدلَّ على أن صاحِبَ الكبيرةِ مؤمنٌ.
وثانيها: أنَّه أثْبَتَ الأخوَّة بيْن القاتل، وبيْن وليِّ الدم، ولا شَكَ أنَّ هذه الأخوَّة تكُون بسَبَب الدِّينِ، قال تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] فلولا أَنَّ الإيمَانَ باقٍ مع الفسقِ، وإلَاّ لما بقِيت الأخوَّة الحاصلةُ بسبب الدين.
وثالثها: أنه تبارك وتعالى نَدَبَ إلى العَفْو عن القاتِلِ، والندب إلى العَفْو، إِنَّما يليقُ بالمؤمن.
أجابت المعتزلة عن الأَوَّل: فقالوا: إِنْ قلْنا: المخاطبُ بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} هم الأَئمَّةُ، فالسُّؤالُ زائلٌ: وإِنْ قلْنا: هُمُ القاتِلُون، فجوابُهُ مِنْ وجهين:
أحدهما: أن القاتل قبل إقدامِهِ على القَتْل، كان مؤمناً فسمَّاه الله تعالى مؤْمنا بهذا التأويل.
الثاني: أن القاتل قد يَتُوب، وعنْد ذلك يكُونُ مؤمناً، ثم إِنَّه تعالَى أَدْخَلَ فيه غير التائبِ تغليباً.
وأجابُوا عن الثَّاني بوجوه:
الأوَّل: أَنَّ الآية نزلَتْ قبل أن يقتل أحدٌ أحداً، ولا شكَّ أَنَّ المؤمنين إخوةٌ قبْل الإقدام على القَتْل.
والثاني: الظاهر أنَّ الفاسق يتوبُ، أو نَقُولك المرادُ الأخُوَّة بيْن وليِّ المقتول والقتيل؛ كما تقدَّم.
الثالث: يجوز أن يكون جعلُه أخاً له في الكتاب؛ كقوله: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً} [الأعراف: ٦٥] .
الرابع: أنَّه حصَلَ بيْن وليِّ الدمِ، وبيْن القاتل نوعٌ تعلّقُ واختصاصٍ، وهذا القَدْرُ يكْفي في إِطلاق اسْمِ الأُخُوَّة، كما نقول للرجُل: قلْ لصاحبك كذا، إِذَا كان بينهما أَدنَى تعلُّق.
الخامس: ذكر لفْظ الأخُوَّة؛ ليعْطِف أحدَهُما على صاحبه بِذِكْره ما هو ثابتٌ بينهما من الجنسيَّة.