للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الدِّيَةِ محرَّمان عَلى أهْل التَّوْراة، وفي شَرْع النَّصَارَى العفْو فقَطْ، ولم يكُنْ لهم القصاص، فخير الله تعالى هذه الأمَّة بيْن القصاص، وبيْن العَفْو على الدِّيَة تخفيفاً منه ورحمةً.

وقيل إِنَّ قولَهُ: «ذَلِكَ» راجعٌ إلى قوله {فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} و «مِنْ رَبِّكُم» في محلِّ رفْعٍ؛ لأَنَّهُ صفةٌ لما قبله، فيتعلَّق بمحذوف.

ورَحْمَةٌ صفتُها محذوفةٌ أيضاً، أي: «رحْمَة مِنْ رَبِّكُمْ» .

قوله «فَمَن اعْتَدَى» يجوز في «مَنِ» الوجهانِ الجائزانِ في قولِهِ «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ» من كونِها شرطيَّةً وموصولَةً، وجميعُ ما ذكر ثَمَّةَ يعودُ هنا.

فصل

قال ابنُ عبَّاس: «اعْتَدَى» ، أي: داوز الحَدَّ غلى ما هو أكْثَرُ منْه، قال ابن عبَّاس، وقتادة، والحسن: هو أن يَقْتُلَ بَعْد العَفْوِ، وأخذ الدِّية، وذلك أنَّ الجاهليَّة كانوا إذا عَفَوْأ، وأَخَذُوا الدية، ثم ظَفِرُوا بالقاتل، قَتَلُوه، فنهى الله عن ذلك في قوله {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وفيه قولان:

أشهرهُما: أنه نوعٌ من العذابِ شديدٌ الألمِ في الآخِرةِ.

والثاني: روي عَنْ قتادَة، والحَسَن، وسعيد بن جبير: هو أن يقتل لا محالة، ولا يَعْفُو عَنْه، ولا يقبل منه الدِّية؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - «لَا أُعَافِي أَحَداً قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ»

قال القرطبيُّ منْ قَتَلَ بَعْد أخْذ الدِّية؛ كَمَنْ قَتَلَ ابتداءً، إنْ شاء الوليُّ قَتَلَه وإِنْ شاءَ، عفا عنه، وعذابه في الآخر، وهذا قولُ مالكٍ، والشافعيِّ وجماعةٍ.

وقال قتادةُ وعكْرمةُ، والسُّدِّيُّ، وغيره: عذابُه أن يقتل الْبَتَّةَ، ولا يمكن الحاكمُ الوليَّ من العَفْو.

قال ابن الخَطِيب وهذا القَولُ ضعيفٌ؛ لأن المفهُوم من العذاب الأَليم عنْد الإطلاق هو عذابُ الآخرة، وأيْضاً: فإِنَّ القَوَدَ تارةً يكُونُ عذاباً؛ كما هو في حقِّ غير التائب، وتارةً يكُون امتحاناً؛ كما في حقِّ التائب، فلا يصحُّ إِطْلاٌقُ العذابِ علَيْه إلَاّ في وجه دُونَ وجْهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>