مُخْتصُّ بأيَّامٍ معدوداتٍ، فلو جعلهُ أبداً، أو في أكثر الأوقات، لَحَصَلتِ المشَقَّةُ العظيمة، ثُمَّ بيَّن رابعاً: أنه خَصَّهُ من الأوقات بالشَّهر الذي أُنزل فيه القرآن؛ لكونه أَشرَف الشُّهُور؛ بسبب هذه الفَضيلةِ؛ ثم بيَّ خامِساً: إزالة المشقَّة في إلزَامه، فَأَباح تأخيره لِمَنْ به مَرَضٌ، أو سَفَرٌ غلى أن يصيرَ إلى الرَّفاهية والسُّكُون، فراعى سبحانه وتعالى في إيجاب هذا الصَّوم هذه الوجوه من الرحمة، فله الحمدُ على نعمه.
قوله:{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً} : فيه معنَى الشَّرْط والجَزاءِ، أي: مَنْ يَكُنْ مرِيضاً، أو مُسَافراً، فَأَفْطَر، فَلْيَقْضِ، إذا قَدَّرْتَ فيه الشَّرط، كَانَ المرادُ بقوله: كَانَ الاسْتِقبَالُ لَا الماضي؛ كما تقولُ: مَنْ أَتَانِي، أَتَيْتُهُ.
قوله:{أَوْ على سَفَرٍ} في مَحَلِّ نَصبٍ؛ عطفاً على خبر كان، و «أوْ» هُنَا للتَّنويع، وعَدَل عن اسمِ الفاعِل، فَلَمْ يَقْل: أَوْ مُسَافِراً، إشعارً بالاسْتِعلاء على السَّفر، لِما فيه مِنَ الاختيار للسفر؛ بخلافِ المرض، فإنه قَهْرِيٌّ،
فصل في المرض المبيح للفطر
اختلفُوا في المَرَضِ المُبيح للفطر؛ فقال الحَسَنُ، وابنُ سيرين: أيُّ مَرَضٍ كان، وأيُّ سَفَرٍ كان؛ تنزيلاً لِلَّفظ المطلق على أقلِّ الأحوال، وروي أنَّهم دخَلُوا على ابن سيرين في رمَضَان، وهو يأْكُلُ فاعتلَّ بِوَجَعِ أُصْبعِهِ، وقال الأصمُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذه الرخصةُ مختصَّةٌ بالمرضِ الَّذي لو صَامَ فيه، لَوقَع في مشقَّة، ونزَّل اللَّفظ المُطلق على أكْملِ أحوالِه.
وقال أكثَرُ الفقهاءِ: المرضُ المبيحُ للفطر الَّذي يؤدِّي إلى ضررٍ في النفسِ، أو زيادةِ في العلَّة.
قالوا: وكيفَ يمكنُ أنْ يقالَ: كُلُّ مرضٍ مرخِّصٌ، مع علمنا أنَّ في الأَمْرَاض ما ينقصه الصَّوم.