للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لولا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - وَفَّقنا للطاعات، وأعاننا عليها، وهدانا إليها، وأَزَاحَ الأعذار عَنا، وإلاّ لَمَا وصلنا إلى شَيْءٍ منها، فظهر بها التقرير أنَّ جَمِيعَ النعم في الحقيقة كم الله تَعَالى.

الفائدةُ الثانيةُ: اختلفوا [في أنه] هل لله - تعالى - نعمةً على الكافرِ أَم لَا؟ فقال بعضُ أصحابنا: ليس لله - تعالى - على الكافر نعمة.

وقالت المعتزلةُ: لله - تعالى - على الكافر نعمة دينية، ونعمة دنيوية. واحتجَّ الأصحابُ على صحّةِ قولهم، بالقرآن [الكريم] ، والمعقول.

أما القرآنُ؛ فقوله تبارك وتعالى: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ؛ وذلك لأنه لو طلب كان لله على الكافر نعمةٌ، لكانوا داخِلينَ تحت قوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فيكون طلباً لصراطِ الكُفَّارِ، وذلك بَاطِلٌ، فثبت بهذه الآيةِ أنه ليس لله - تعالى - على الكافر نعمةٌ.

فإن قَالُوا: إنَّ قَوْله: {الصراط المستقيم} يدفعُ ذَلِكَ.

قلنا: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدل مِنْ قَوْلِهِ: {الصراط المستقيم} ؛ فكان التَّقْدير: «اهدِنا صراطَ الذين أنعمت عليهم» ، وحينئذٍ يَعُودُ المحذوف المذكورُ.

وقوله تبارك وتعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الذين كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ ليزدادوا إِثْمَاً} [آل عمران: ١٧٨] .

وأما المَعْقُولُ: فهو أَنَّ نِعَمَ الدنيا الفانيةَ في مقابلةِ عَذَابِ الآخرة على الدوام، كالقَطْرةِ في البحر، ومثل هذا لا يكون نِعْمَةً، فقد احتجُّوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً والسماء بِنَآءً} [البقرة: ٢١، ٢٢] ، على أنه يَجِبُ على الكُلِّ طاعةُ الله - تعالى - لأجلِ هذه النعم، وإلاّ لما كانت هذه النعمُ العظيمةُ معتبرةً؛ وقولِه تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً} [البقرة: ٢٨] ، ذكر ذلك في معرض الامْتِنَانِ، وشرحِ النعم.

وقولِه تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٠] .

وقولِه تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور} [سبأ: ١٣] .

وقول إبليس: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: ١٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>