والباء في «بِكُمْ» قال أبو البقاء: لِلإلْصَاقِ، أي: يُلْصِقُ بكم اليُسْرَ، وهو من مجاز الكلام، أي: يريد الله بفِطْرِكُمْ في حال العذر اليُسْرَ، وفي قوله:{وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العسر} تأكيدٌ؛ لأنَّ قبله {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر} وهو كافٍ عنه. وقرأ أبو جعفر ويحيى بن وثَّاب وابن هُرْمُز:«اليُسُر، والعُسُر» بضمّ السين، والضمُّ للإتباع؟ والظهر الأول؛ لأنه المعهود في كلامهم.
و «اليُسْرُ» في اللغة السُّهُولة، ومنه يقال للغنى والسَّعة: اليسار؛ لأنه يتسهل به الأمور واليد اليُسْرَى، قيل: تلي الفعال باليسر، وقيل إنه يتسهَّل الأمر بمعاونتها اليمنى.
فصل في دحق شبهة للمعتزلة
استدلُّوا بهذا الآية على أنَّ تكليف ما لا يطاق غير واقعٍ؛ لأنه تعالى لمَّا بيَّن أنه يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر، فكيف يكلِّفهم ما لا يقدرون عليه.
وأُجيبوا: بأنَّ اللفظ المفرد، إذا دخل عليه الألف واللام لا يفيد العموم، ولو سلَّمناذلكح لكنَّه قد ينصرف إلى المعهود السَّابق في هذا الموضع.
فصل في دحض شبهة أخرى للمعتزلة
قالت المعتزلة: هذه الآية تدلُّ على أنَّه قد يقع من العبد ما لا يريده الله تعالى؛ وذلك لأنَّ المريض لو تحمَّل الصَّوم حتى أجهده، لكان يجب أن يكون قد فعل مالا يريده الله تعالى منه، إذْ كان لا يريد غيره.
وأُجيبوا بحمل اللَّفظ على أنَّه تعالى لا يريدُ أنْ يأمر بما فيه عسر، وإن كان قد يريدُ منه العُسر؛ وذلك لأن الأمر قد يثبت بدون الإرادة.
قالت المعتزلة: هذه الآيةُ دالَّة على أنه تعالى لا يريدُ بهم الكُفر فيصيرون إلى النَّار، فلو خلق فيهم ذلك الكُفر، لم يكن لائقاً به أنْ يقول {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العسر} وجوابه: أنه معارضٌ بمسألة العلم.
قوله:{وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ} في هذه اللام ثلاثةُ أقوال:
أحدها: أنها زائدةُ في المفعول به؛ كالتي في قولك: ضَرَبْتُ لِزَيْدٍ، و «أَنْ» مُقَدَّرةً بعدها، تقديرهُ:{وَيُرِيدُ أَنْ تُكْمِلُوا العِدَّةَ} ، أي: تكميل، فهو معطوفٌ على اليُسْر؛ ونحوهُ قولُ أبي صَخْرٍ:[الطويل]