للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولا بُدَّ من إضمارِ قولٍ بعد فاء الجزاء، تقديرُه: فَقُلْ لهم إِنِّ قريبٌ، وإنما احتَجْنَا إلى هذا التقدير؛ لأنَّ المرتِّب على الشَّرط الإخبارُ بالقُرب، وجاء قوله «أُجِيبُ» ؛ مراعاةً للضمير السابقِ على الخبر، ولم يُراعَ الخبرُ، فيقالُ: «يُجِيبُ» بالغَيْبَة؛ مراعاةً لقوله: «قَرِيبٌ» ؛ لأنَّ الأشْهَرَ من طريقتي العرب هو الأولُ؛ كقوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: ٥٥] وفي أخرى {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: ٤٧] ، وقول الشاعر: [الطويل]

٩٤٨ - وَإِنَّا لَقَوْمٌ مَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً ... إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وسَلُولُ

ولو راعى الخبر، لقال: «مَا يَرَوْنَ القَتْلَ» .

وفي قوله: «عَنِّي» و «إِنِّي» التفاتٌ من غيبة إلى تكلُّم؛ لأنَّ قبله: «وِلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ» والاسمُ الظاهرُ في ذلك كالضميرِ الغائبِ، والكافُ في «سَأَلَكَ» للنبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإنْ لم يجر له ذكرٌ، إلَاّ أنَّ قوله: {أُنْزِلَ فِيهِ القرآن} [البقرة: ١٨٥] يَدُلُّ عليه؛ لأنَّ تقديره: «أُنْزِلَ فيه القرآنُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -» وفي قوله: فَإِنِّي قَريبٌ «مجازٌ عن سرعةِ أجابته لدعوةِ داعيه، وإلَاّ فهو متعالٍ عن القُرْبِ الحِسِّيِّ، لتعاليه عن المَكَان.

قال أبو حَيَّان: والعامِل في» إِذَا «قوله:» أُجِيبُ «يعني» إِذَا «الثانية، فيكون التقديرُ: أُجِيبُ دعوَتهُ وقتَ دعائِه، فيُحْتَملُ أنْ تكونَ لمُجَرَّد الظرفية، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وحذف جوابها؛ لدلالةِ» أُجِيبُ «عليه؛ وحينئذٍ لا يكونُ» أُجِيبُ «هذا الملفوظ به هو العامل فيها، بل ذلك المحذوفَ، أو يكونُ هو الجوابَ عند مَنْ يُجِيزُ تقديمهُ على الشَّرط، وأمَّا» إِذَا «الأولى، فإنَّ العاملَ فيها ذلك القولُ المقدَّرُ، والهاء في» دَعْوَة «ليست الدالَّة على المَرَّة، نحو: ضَرْبَةٍ وقَتْلَةٍ، بل التي بُنِيَ عليها المصدرُ، نحو: رحمة ونجدة؛ فلذلك لم تَدُلَّ على الوَحْدَة.

والياءان من قوله: «الدَّاع - دَعَان» من الزوائد عند القُرَّاءِ، ومعنى ذلك أنَّ الصحابة لم تُثْبِت لها صورةً في المُصحَف، فمن القُرَّاءِ مَنْ أَسْقَطَها تَبَعاً للرسل وَقْفاً ووَصْلاً. ومنهم مَنْ يُثْبِتُها في الحالَين، ومنهم مَنْ يُثْبِتُها وَصْلاً ويحذِفُها وَقْفاً، وجملةُ هذه الزوائد اثنتان وستُّون ياءً، فأثبَتَ أبو عمرو وقَالُونُ هاتَينِ الياءَيْنِ وَصْلاً وحَذَفَاهَا وَقْفاً.

فصل في بيان حقيقة الدُّعاء

قال أبو سليمان الخطَّابيُّ: والدُّعاء مصدر من قولك: دعَوتُ الشَّيءَ أَدعوه دُعاءً، ثم أقامُوا المَصدرَ مقام الاسم؛ تقول: سمعتُ الدعاء؛ كما تقولُ: سمعتُ الصَّوتَ، وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>