وقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} لا محلَّ له من الإعراب؛ لأنه بيانٌ للإحلال، فهو استئنافٌ وتفسيرٌ.
يعني إذا حصلت بينكم وبينهنَّ مثل هذه المخالطة والملابسة، قلَّ صبركم عنهنَّ، وضعف عليكم اجتنابهنَّح فلذلك رخَّص لكم في مباشرتهنَّ.
وقدَّم قوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} على {وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} ؛ تنبيهاً على ظهور احتياج الرجل للمرأة وعدم صبره عنها؛ ولأنَّه هوالبادىءُ بطلب ذلك، وكنى باللباس عن شِدَّةِ المخالطة؛ كقوله - هو النابغة الجَعْدِيُّ -: [المتقارب]
٩٥٧ - إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا ... تَثَنَّتْ عَلَيْهِ فَكَانَتْ لِبَاساَ
وفيها أيضاً: [المتقارب]
٩٥٨ - لَبِسْتُ أُنَاساً فَأَفْنَيْتُهُمْ ... وَأَفْنَيْتُ بَعْدَ أُنَاسِ أُنَاسَا
قال القرطبيُّ: وشُدِّدتُ النُّون من «هُنَّ» لأنها بمنزلة الميم والواو ف المذكَّر.
وورد لفظ «اللِّبَاسِ» على أربعة أوجهٍ:
الأول: بمعنى السَّكَن؛ كهذه الآية.
الثاني: الخلط؛ قال تبارك وتعالى: {الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أولئك لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢] ، أي: لم يخلطوا.
الثالثك العمل الصالح؛ قال تعالى: {وَرِيشاً وَلِبَاسُ التقوى} [الأعراف: ٢٦] ، أي: عمل التقوى.
الرابع: اللِّباس بعينه؛ قال تعالى: {يا بني آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً} [الأعراف: ٢٦] .
فصل في وجوه تشبيه الزوجين باللِّباس
في تشبه الزَّوجين باللِّباس وجوه:
أحدها: أنه لمَّا انضمَّ جسد كلِّ واحدٍ منهما إلى الآخر؛ كالثَّوب الذي لبس، سُمِّي كلُّ واحدٍ منهما لباساً.
قال الرَّبيعُ: هُنَّ فراشٌ لكم، وأَنْتُمْ لِحَافٌ لهُنَّ.