الصُّبح لا يمكن تشبيهها الأسود في الشَّكل ألبتة؛ فثبت أنَّ المراد بالخيط الأسود في الآية هو اللَّيل والنهار.
ثم لو بحثنا عن حقيقة اللَّيل في قوله:{ثُمَّ أَتِمُّواْ الصيام إِلَى الليل} لوجدناها عبارةً عن زمن غيبة الشَّمس؛ بدليل أنَّ الله تعالى سمَّاها بعد المغرب ليلاً مع بقاء الضَّوء فيه؛ فثبت أنه يكون الأمر في الطَّرف الأوَّل من النهار كذلك؛ فيكون قبل طلوع الشمس أيضاً ليلاً، وألا يوجد النَّهار إلَاّ عند طلوع الشمس، وإلَاّ يلزم أن يكون آخر النَّهار على زعمهم غياب الشَّفق الأحمر؛ لأنَّه آخر آثر الشمس؛ كما أن طلوع الفجر هو أوَّل طلوع آثار الشَّمس، وإذا بطل هذا، بَطَل ذاك، ومن النَّاس من قال: آخر النهار غيابُ الشَّفَق، ولا يجوز الإفطار إلَاّ عند طلوع الكواكب، وكلُّها مذاهب باطلةٌ.
قوله «إلى اللَّيلِ» في هذا الجارِّ وجهان:
أحدهما: أنه متعلِّق بالإتما، فهو غايةٌ له.
والثاني: أنه في محلِّ نصب على الحال من الصيام، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، أي: كائناً إلى اللَّيل، و «إلَى» إذا كان ما بعدها من غير جنس ما قبلها، لم يدخل فيه، والآية من هذا القبيل.
فصل في اختلافهم في ماهيَّة اللِّيل
اختلفوا في اللِّيل ما هو؟ فمنهم: من قاس آخر النهار على أوله، فاعتبروا في حصول الليل زوال آثار الشَّمس؛ كما حصل اعتبار زوال الليل عند ظهور النهار بظهور آثار الشَّمس.
ثم هؤلاء منهم من اكتفى بزوال الحمرة، ومنهم من اعتبر ظهور الظَّلام التَّامْ وظهور الكواكب والحديث يبطل كلَّ ذلك، وهو قوله - عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام -: «إذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» وهذا الحديث مع الآية يدلُّ على المنع من الوصال.
فصل
الحنفيَّة تمسَّكوا بهذه الآية الكريمة في أنَّ صوم النَّفل يجب إتمامه بقوله تعالى