ليحلف، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أَمَا إنْ يَحْلِفْ عَلَى مَالِهِ، ليَأْكُلَهُ ظُلْماً، ليَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» فأنزل الله {وَلَا تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} أي: لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، أي: من غير الوجه الذي أباحه الله، و «البَاطِلُ» في اللغة الذَّاهِبُ الزائل، يقال: بَطَل الشَّيْءُ بُطُولاً وبُطْلاناً، فهو باطلٌ، وجمع الباطل: بَوَاطِلُ، وأَبَاطِيلُ جمع أُبْطُولَة، يقال: بَطَل الأجير يَبْطُل بطالةً، إذا تعطَّل، وتَبَطَّل: اتَّبع اللَّهو، وأبْطَلَ فلانٌ، إذا جاء بالبَاطِل، وقوله تعالى: {لَاّ يَأْتِيهِ الباطل مِن} [فصلت: ٤٢] قال قتادة: هو إبليسُ؛ لا يزيد في القرآن، ولا ينقص، وقوله عزَّ وجلَّ {وَيَمْحُ الله الباطل} [الشورى: ٢٤] يعني: الشِّرك، والبَطَلَةُ، والبَطَلَةُ: السَّحَرةُ.
قوله: «لَا تَأْكُلُوا» ليس المراد منه الأكل خاصَّة؛ لأنَّ غير الأكل من التصرّفات؛ كالأكل في هذا الباب، لكنَّه لمَّا كان المقصود الأعظم من المال، إنَّما هو الأكل، وصار العرف فيمن أنفق ماله، أن يقالك أكله؛ فلهذا عبَّر عنه بالأكل.
فصل فيما يحل ويحرم من الأموال
قال الغزاليُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى - في كتاب «الإحياء» : المال إنَّما يحرم إما لمعنًى في عينه، أو لخللٍ في جهة اكتسابه.
فالقسم الأول: الحرام لمعنىً في عينه.
اعلم أنَ الأموال: إمَّا أن تكون من المعادن، أو من النبات، أو من الحيوانات.
أما المعادن وهي أجزاء الأرض فلا يحرم شيءٌ منها، إلَاّ من حيث يضر بالأكل وبعضها ما يجري مجرى السَّمِّ.
وأما النباتُ: فلا يحرم منه إلَاّ ما يزيل الحياة، أو الصِّحَّة، أو العقل.
فمزيل الحياة: كالسُّموم، ومزيل الصِّحَّة: الأدوية في غير وقتها، ومزيل العقل: الخمر، والبنج، وسائر المسكرات.
وأما الحيوانات: فتقسم إلى ما يؤكل، وإلى ما لا يؤكل.
وما يؤكل: إنَّما يحلُّ، إذا ذكِّي ذكاته الشَّرعيَّة، ثم إذا ذُكِّيت، فلا تحلُّ جميع أجزائها، بل يحرمُ منها الدَّم، والفَرْثُ.
القسم الثاني: ما يحرم لخللٍ في جهة إثبات اليد عليه، فنقول:
أخذ المال: إما أن يكون باختيار المالك أو بغير اختياره؛ كالإرث، والذي باخيتاره: إما أن يكون مأخوذاً بأمر مالكه، وإمَّا أن يكون قهراً، أو بالتَّراضي.