وقوله «فَريقاً» أي: طائفةً من أموال النَّاس، والمراد «بالإثْمِ» الظلمُ، وقال ابن عبَّاس - رضي الله عهنما - «الإثْمُ» هنا هو اليمين الكاذبة
فصل في الفسق بأخذ ما يطلق عليه اسم مال
قال الرقطبيُّ: اتَّفق أهل السُّنَّة على أنَّ من أخذ ما وقع عليه اسم مالٍ، قلَّ أو كثر، فإنَّه يفسَّق بذلك، وأنه يحرم عليه أخذه؛ خلافاً لبشر من المعتمر، ومن تابعه من المعتزلة؛ حيث قالوا: إنَّ المكلَّف لا يفسَّق إلَاّ بأخذ مائتي درهمٍ، ولا يفسَّق بدون ذلك. وقال ابن الجُبَّائيِّ: لا يفسَّق إلَاّ بأخذ عشرة دراهم، ولا يفسَّق بما دونهم.
وقال أبو الهُذَيْلِ: يفسَّق بأخذ خمسة دراهم، فما فوقه، ولا يفسَّق بما دونها، وهذا كلّه مردودٌ بالقرآن، اولسُّنَّة، وباتفاق علماء الأمَّة بقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «إنَّ دمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ»
وقوله تعالى:«وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» جملةٌ في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل «لِتَأْكُلُوا» وذلك على رأي من يجيز تعدُّد الحال، وأمَّا من لا يجيز ذلك، فيجعل «بالإثْمِ» غير حالٍ.
والمعنى: وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّكُمْ مُبْطِلُون، ولا شكَّ أن الإقدامَ على القبيح، مع العلم بقبحه أقبح، وصاحبه بالتَّوبيخ أحقُّ، وروي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أنه قال: اختصَمَ رَجُلَان إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، عالمٌ بالخُصُومة، وجاهلٌ بها، فقضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ للعالم، فقال مَنْ قَضِيَ عليه: يَا رَسُولَ اللَّهِ، والَّذِي لَا إلَهَ إلَاّ هُوَ، إنِّي مُحِقٌّ بحَقٍّ فقال: إن شِئْتَ أُعَاوِدُهُ، فَعَاوَدَهُ، فَقَضَى لِلعَالِم، فقال المَقْضِيُّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلاً، ثُمَ عَاوَدَهُ ثَالِثاً، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرئ مُسْلِم بخصومته، فإنَّما اقتطع قطعةً من النَّارِ» فقال العالمُ المقضِيُّ له: يا رَسُولَ الله، إنَّ الحقَّ حقُّه، فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام -: «مَنِ اقْتَطَعَ بِخُصُومَتِهِ وجَدَلِهِ حَقَّ غَيْرِهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»