فالجواب: أنَّ الأهلَّة وأشهرها، إنَّما جعلت مواقيت للنَّاس، دون الشمس وأشهرها؛ لأنَّ الأشهر الهلاليَّة يعرفها كُلُّ أحدٍ من الخاصِّ والعامِّ برؤية الهلال ومحاقه؛ ولذلك عُلِّقت الأحكام الشَّرعيَّة بالشُّهور العربيَّة، كصوم رمضان، وأشهر الحجِّ، وهي شوَّال، وذُو القعدة وذو الحجَّة. والأشهر المنذورة، والكفَّارات، وحول الزَّكاة وأشهر الإجارات والمداينات والسل، وأشهر الإيلاء، وأشهر العدد، ومدَّة الرَّضاع وما تتحمَّله العاقلة في ثلاث سنين، وغير ذلك؛ بخلاف الشَّمس، وأشهرها؛ فإن الشَّمس لا يتغيَّر شكلها بزيادةٍٍ، ولا نقصٍ، ولا يعرف أوَّله وآخره، ولا تختلِفُ رؤيتها، وكذلك أشهرها لا يعرف أوَّلها وآخرها، إلَاّ الخواصُّ من الحُسَّاب، وليس لها مواقيت غير الفصول الأربعة؛ وهي الصَّيف، والشِّتاء، والرَّبيع، والخريف؛ ولذلك لا يتعلَّق به حكم شرعيٌّ؛ فلذلك جعلت الأهلَّة وأشهرها مواقيت للنَّاس، دون الشَّمس.
فصل
اعلم أنَّ الله سبحانه ذكر وجه الحكمة في خلق الأهلَّة؛ فقال تعالى:{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج} وذكر هذا المعنى في آية أخرى، وهي قوله تعالى:{وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب}[يونس: ٥] واعلم أنَّ تقدير الزمان بالشُّهور فيه منافع دينيةٌ، ودنيويةٌ.
فالدينية: كالصَّوم، والحَجِّ، وعدَّة المتوفَّى عنها زوجها، والنذور المتعلِّقة بالأوقات، وقضاء الصَّوم في أيامٍ لا تُعْلَمُ إلَاّ بالأهلَّة.