بالفصاحة، وأعجز البُلَغَاء والفُصَحاء، وتحدَّاهم» بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ «و» بِعَشْرِ سُوَرٍ «و» بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ « [فقال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}
[الإسراء: ٨٨] وقال: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: ١٣] وقال في موضع آخر: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] كيف لا يدلُّ ذلك على صحَّة هذه اللَّفظة، وفصاحتها، واستقامتها.
والمشهور: أنه لا فرق بين التَّهْلُكَة، والهلاك، وقال قومٌ: التَّهْلُكَةُ: ما أمكن التحرُّز منه، والهلاكُ: ما لا يمكن التحرُّز منه، وقيل: هي نفسُ الشَّيْءِ المُهْلِكِ، وقيل: هي ما تضضُرُّ عاقبته.
فصل في اختلافهم في تفسير الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة
اختلفوا في تفسير الإلقاء بالأيدي إلى التَّهلكة.
فقال قومٌ: إنَّه راجعٌ إلى نفس النَّفقة.
وقال آخرون: إنَّه راجعٌ إلى غيرها، فالأوَّلون ذكروا وجوهاً:
أحدها: قال ابن عبَّاس، وحذيفة، وعطاءٌ، وعكرمةٌ، ومجاهدٌ، والجمهور، وإليه ذهب البُخَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - ولم يذْكُروا غيره: ألَاّ ينفقوا في مهمَّات الجهاد أموالهم؛ فستولي العَدُوُّ عليهم، ويهلكهم؛ فكأنَّه قيل: إن كنت من رجال الدِّين فأنفق مالك في سبيل الله، وفي طلب مرضاته، وإن كانت من رجالِ الدُّنيا، فأنفق مالك في دفع الهلاكِ، والضَّرَر عن نفسِكَ.
وثانيها: أنه تبارك وتعالى لمَّا أمر بالإنفاق نهى عن نفقة جمع المال؛ لأنَّ إنفاق الجميع يفضي إلى التَّهلكة عند الحاجة الشديدة إلى المأكول، والمشروب، والملبوسِ، فيكون المراد منه ما ذكره في قوله سبحانه: {والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: ٦٧] ، وقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط} [الإسراء: ٢٩] .
وقيل: الإلقاءُ في التَّهْلُكَة: هو السَّفر إلى الجهاد بغَيْر زادٍ، نقله القُرْطُبيُّ عن زَيْد ابْنِ أَسْلَمَ، وقد فعل ذلك قومٌ، فانقطعوا في الطَّريق.
وأما القائلون: بأنَّ المراد منه غير النَّفقة، فذكروا وجوهاً:
أحدها: أن يخلُّوا بالجهاد، فيتعرَّضوا للهَلَاكِ الذي هو عذابُ النار.