فقالا: صَدَق. فدلَّ ظاهر الآية، والحديث عليه أيضاً.
وعلى القول الثَّالث: فهو أنَّ الإحصار اسمٌ لمنع العدوِّ، فنقول: هذا باطلٌ باتفاق أهل اللغة، وبتقدير ثبوته، يقيس المرض على العدوِّ بجامع دفع الحرج، وهو قياسٌ جَلِيٌّ ظاهرٌ.
وأمّا بتقدير مذهب ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، فلا شكَّ أنَّ قولهم أقوى؛ لتقدمهم على هؤلاء الأدباء، في معرفة اللغة، ومعرفة تفسير القرآن. والحديث ضعيف، ويمكن تأويله بأنَّه إنّما يحل بالكسر، والعرج، إذا كان مشروطاً في عقد الإحرام.
كما روي: أنَّ ضباعة بنت الزبير كانت وجعةً؛ فقال لها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشرَّف، وكرَّم، وبجَّل، وعظَّم:«حِجّي واشْتَرِطي، وَقُولي اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَني» ويؤكد هذا القول وجوهٌ:
أحدها: أنَّ الإحصار: إفعالٌ من الحصر، والإفعال تارةً يجيء بمعنى التعدية، نحو: ذهب زَيْدٌ، وأذْهَبْتُه انا، ويجيءُ بمعنى: صار ذا كذا؛ نحو: أَغَدَّ البعيرُ، أي: صار ذا غُدَّةٍ، وأجبر الرجل، إذا صار ذا إبل جربى، ويجيء بمعنى: وجدته بصفة كذا؛ نوحو: أَحْمدْتُ الرجل، أي وجدته محموداً.
والغحصار لا يمكن أن يكون للتعدية؛ فوجب إمَّا حمله على الصيرورة، أو على الوجدان، والمعنى أنَّهم صاروا محصورين ووجدوا محصورين.
واتفق أهل اللُّغة على أنَّ المحصور هو الممنوع بالعدو، لا بالمرض، فوجب أن يكون معنى الإحصار: هو أنهم صاروا ممنوعين بالعدوِّ، وذلك يؤكِّد ما قاله الشافعيُّ.
وثانيها: أنَّ الحصر عبارة عن المنع، وإنما يقال للإنسان: أنَّه ممنوعٌ من فعله، ومحبوسٌ عن مراده؛ غذا كان الغي هو فاعل ذلك المنع والحبس.
فالحصر: عبارة عن الكيفية الحاصلة عند اعتدال المزاج، وسلامة الأعضاء، وذلك مفقودٌ في حقّ المريض؛ لأنَّه غير قادر على الفعل ألبتة؛ فلا يحكم عليه بأنه ممنوع، لأن إحالة الحكم على المانع تستدعي حصول المقتضي.
أمَّا إذا كان ممنوعاً بالعدو، - فها هنا - القدرة حاصلة إلَاّ أنه تعذْر الفعل؛ لأجل