منها: أنَّه - عليه السَّلامُ - أحصر بالحُديبيةِ ونحر فيها، وليست من الحَرَمِ.
قال أصحابُ أبى حنيفة: إِنَّما أحصر فى طرف الحثدَيبية، الّذى أسفل مَكَّةَ، وهو من الحَرَمِ.
قال الوَاقِدِيُّ: الحديبيةُ على طرف مكَّةَ على تِسْعَةِ أَمْيِالِ من مكَّةَ.
قال القَفَّال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدَّليل على [أنَّ نحر ذلك الهدي ما وقع فى الحرم قوله تعالى: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] .
ومنها: أَّنَّ المحصَر سواء كان فى المحلّ، أو الحرم، فهو مأمورٌ بنحر الهدي بقوله: {فَمَا استيسر مِنَ الهدي} ، فأوجب على المُحْصَرِ، سواء كان فى الحلّ أو الحرمِ، وإذا ثَبَتَ ذلك؛ وَجَبَ أن يجوز له الذَّبحُ، حيث كَانَ قادراً على إراقة الدَّمِ.
ومنها: أنَّه تعالى إنَّما مكن المحصر من التَّحلل بالذَّبح؛ ليتمكن من تخليص نفسه فى الحال عند خَوْفِ العدوِّ، فلم يَجُزِ النَّحْرُ إلَاّ فى الحرم وَمَا لم يحصلُ النَّحر لا يحصل له التَّحلل فى الحالِ، وذلك يُنَاقِضُ المَقْصُودَ من مشروعيّة هذا الحكم؛ لأن الموصل، للنَّحر إلى الحرم، إن كان هو فالْخَوْفُ، باقٍ، وكيفَ يؤمر بهذا الفعل مع قيام الخَوْفِ، وإن كَانَ غيره، فقد لا يَجِدُ ذلك الغَيْرَ، فماذا يفعل؟ حجَّةُ أبى حنيفة وجوه:
الأَوَّل: أَنَّ المحِلَّ - بكسر الحاء - عبارة عن المكان كالمسجدِ والمَجْلِس، فقوله {حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ} يَدُلُّ على أَنَّهُ غير بالغٍ فى الحَالِ إلى مكان الحِلِّ، وهو عندكم بَالِغٌ مَحَلَّهُ فى الحال.
وجوابه: أنَّ المحلَّ عبارة عن الزَّمان كمحل الدّين.
الثَّاني: أن لفظ «المَحِلّ» يحتمل الزَّمانَ والمَكَانَ إلَاّ أن الله - تعالى - أَزَلَ هذا الاحتمال بقوله: {ثُمَّ مَحِلُّهَآ إلى البيت العتيق} [الحج: ٢٣] .
وجوابه بأَنَّ كُلَّ ما وجب على المحرم فى ماله من بَدنَةٍ، وجزاء هَدْي، فَلَا يُجْزِي إلَاّ فى الحَرَمِ لمساكين أهْلِهِ إلَاّ فى مَوْضعَين:
أحدهما: مَنْ سَاقَ هَدْياً، فعطب فى طريقه ذبحه، وخلَّى بين المَسَاكِين وَبَيْنَه.
والثَّاني: دم المُحْصَرِ بالعَدُوِّ فينحر حيثُ حبس، فالأَدِلَّةُ المذكورةُ فى باقي الدّماءِ فلم قلتم إِنَّها تَتَنَاوَلُ هذه الصَّورَةَ؟
الثَّالث: قالوا إِنَّما سُمِّيَ هَدْياً؛ لأنه جارٍ مَجْرَى الهَدِيَّةِ التى يَبْعَثُهَا العَبْدُ إلى رَبِّهِ