وقيل: جعل الخير عبارةً عن ضبط أَنفُسِهم؛ حتى لا يوجد ما نهُوا عنه.
قوله:{وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} فيه قولان:
أحدهما: أن المراد تزوّدوا من التَّقْوَى؛ لقولهِ {فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى} فتحقيقٌ [الكلام فيه: أَنَّ] الإنسان له سَفَرانِ، سفرٌ فى الدنيا، وسَفَرٌ مِنَ الدُّنيا.
فالسَّفَرُ في الدنيا، لا بُدَّ له مِنْ زَادٍ، وهو الطَّعامُ، والشَّرَابُ، والمركبُ، والمالُ والإعراضُ عمّا سِوَاهُ، وهذا الزادُ خيرٌ مِنَ الزَّادِ الأوَّلِ لوجوه:
أحدها: أنّ زادَ الدُّنيا [يخلصُكَ مِنْ عَذَابِ مُنْقَطِعٍ، وزادَ الآخرة يُخَلِّصُك مِنْ عذاب دائمٍ، وزادُ الدُّنيا] يوصلك إلى لذَّةٍ مَمزُوجةٍ بالآلامِ، والبلايَا، وزادَ الآخرةِ يُوصِلكّ إلى لذَّاتِ باقيةٍ خالصةٍ عن شوائب المضَرَّةِ، وزادُ الدنيَا يُوصِلُك إلى دُنيا مُنقضيةٍ، وزادُ الآخرة يُوصِلُكَ إلى الآخرة، وهي كل ساعةٍ من الإِقبالِ، والقُرْبِ، والوُصُول غير منقضية وزادُ الدنيا يُوصِلُكُ إلى منصة الشَّهوة والنَّفْس وزادُ الآخرة يُوصِلُكَ إلى حضرة الجلالِ والقُدُس؛ فلهذا قال:{خَيْرَ الزاد التقوى} فَاشْتغلوا بتقواي يا أولي الألباب، يعني: إِن كُنتُم من أُولي الألباب الَّذين يعلمون حقائق الأمور فاشتغلوا بتحصيل هذا الزادِ؛ لما فيه من كثرةِ المَنافع؛ وفي هذا المعنى قال الأعشى:[الطويل]
والقولُ الثَّانِي: أنّ هذه الآية الكريمة نزلت في أُناسٍ مِنْ أهل اليمن، كانوا يحجُّونَ بغير زادٍ، ويقُولُونَ إِنّا مُتَوكِّلُونَ وكانوا يَسْأَلُونَ وربما ظَلَمُوا الناس وغصبُوهُم، فأمرهم اللَّهُ تعالى أَنْ يَتَزوَّدُوا ما يَبْلُغُون به، فإنّ خير الزادِ ما تكفون به وجوهكم عن السُّؤال، وأنْفُسَكُم عن الظلم.
وعن ابن زيدٍ، أنّ بعض قبائِلِ العربِ كانوا يحرّمُون الزادَ على الحج، والعمرة؛ فنزلت الآية.