قال النَّحاسُ: سمعت أبا إسحاق يقول: قال لي أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ: أتعرف في كَلام العرب شيْئاً من المُضاعَفِ جاء على فَعُلَ؟ قلت: نعم، حكى سيبويه عن يونس: لَيُبْتَ تَلُبّ؛ فاسْتَحْسَنُه، وقال: ما أَعْرفُ له نظيراً.
واختلفوا فيه فقال بعضهم: إنّه للعقلِ؛ لأنه أشرفُ ما في الإنسان، وبه تميز عن البهائِمِ، وقَرُبَ مِنْ درجةِ الملائكة.
وقال آخرون: إنّه في الأَصْلِ اسمٌ للقَلْبِ الذي هو محل للعقلِ، والقَلْبُ قد يُجعل كنايةً عن العَقلِ، فقوله:{ياأولي الألباب} أي: يا أُولِي العُقُولِ، وإطلاق اسم المحلِّ على الحال مجازٌ مشهُورٌ.
فإن قيل: إذا كان لا يصِحُّ إِلَاّ خِطَابٌ العقل؛ فما فائدة قوله:{ياأولي الألباب} ؟!
فالجواب: معناهُ أنّكم لمّا كنتُم مِنْ أُولِي الألباب، تمكنتُم مِنْ معرفة هذه الأشياء، والعَمَلِ بها، فَكَانَ وجوبها عليكم أَثبت، وإعراضُكم عنها أقبحَ؛ ولهذا قال الشاعر:[الوافر]
وقال تبَاركَ وتعالى:{أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف: ١٧٩] يعني: أَنَّ الأنعامَ مَعْذُورةٌ بسبب العَجزِ، وأَمَّا هؤلاء فقادِرُون فكان إعراضهم أفحش، فلا جرم كانُوا أَضَلَّ.