قال المفسِّرون: كانت قريش وحلفاؤها وهم الحمس يقفون بالمزدلفة، ويقولون: نحن أهل الله وقطَّان حرمه، فلا نخرج من الحرم، ويستعظمون أن يقفوا مع النَّاس بعرفاتٍ، وسائر العرب كانوا يقفون بعرفاتٍ، فإذا أفاض النَّاس من عرفات، أفاض الحمس من المزدلفة، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية الكريمة، وأمرهم أن يقفوا بعرفات وأن يفيضوا منها كما يفعله سائر النَّاس، والمراد بالنَّاس: العرب كلُّهم غير الحمس.
وقال الكلبي: هم أهل اليمن وربيعة، وروي أنَّه - عليه السلام - لمّا جعل أبا بكرٍ أميراً في الحجِّ، أمره بإخراج النَّاس إلى عرفتٍ، فلمّا ذهب مرّ على الحمس وتركهم، فقالوا له: إلى أين وهذا مقام آبائك وقومك فلا تذهب، فلم يلتفت إليهم ومضى بأمر رسول الله إلى عرافتٍ، ووقف بها وأمر سائر النَّاس بالوقوف بها، وقال بعضهم:» أفِيضُوا «أمر عامٌّ لكلِّ النَّاس.
وقوله:{حَيْثُ أَفَاضَ الناس} المراد: إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - كان يقف في الجاهليَّة بعرفة كسائر النَّاس ويخالف الحمس.
وقال الضَّحَّاك: النَّاس ههنا إبراهيم وحده، وإيقاع اسم الجمع على الواحد جائز إذا كان رئيساً يقتدى به، وهو كقوله - تبارك وتعالى -: {الذين قَالَ لَهُمُ الناس}[آل عمران: ١٧٣] يعني به: نعيم ابن مسعود، {إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}[آل عمران: ١٧٣] يعني أبا سفيان، وهو مجاز مشهور؛ ومنه قوله:{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر}[القدر: ١] .
وقال القفَّال: قوله: {مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناس} [عبارة عن تقادم الإفاضة من عرفاتٍ، وأنَّه هو الأمر القديم وما سواه فهو مبتدع محدث؛ كما يقال: هذا ممَّا فعله النَّاس قديماً.
وقال الزَّهريّ: إنّ المراد من النَّاس في هذه الآية: آدم - عليه السلام -؛ واحتج بقراءة سعيد بن جبير المتقدِّمة.
القول الثاني - وهو اختيار الضحَّاك ورجَّحه الطَّبري -: أنّ المراد بهذه الإفاضة، هي الإفاضة من مزدلفة إلى منى يوم النَّحر، قبل طلوع الشمس للرَّمي والنَّحر.