للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

شِعْرٌ شَاعِرٌ «؛ كما قال به الفارسيُّ وصاحبُه، أو يُجْعَلَ» أَشَدَّ «من صفاتِ الأعيان، لا من صفاتِ الإِذكار؛ كما قال به الزمخشريُّ، أو يُجْعَلَ» أَشَدَّ «حالاً من» ذكْراً «أو ننصبّه بفعْلٍ و» أو «هنا قيل للإِباحةِ، وقيل للتخيير، وقيل: بمعنى بَلْ، وهو قول أكثر المفسِّرين.

قوله: {فَمِنَ الناس مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي الدنيا} » مَنْ «مبتدأٌ، وخبرُه في الجارِّ قبله، ويجوز أن تكونَ فاعلةً عند الأخفش، وأن تكونَ نكرةً موصوفةً، وفي هذا الكلام التفاتٌ؛ إذ لو جَرَى على النسقِ الأولِ، لقيل:» فَمِنْكُمْ «، وحَمِل على معنى» مَنْ «؛ إذ جاء جَمْعاً في قوله:» رَبِّنَا آتِنَا «، ولو حُمِل على لفظِها، لقال» رَبِّ آتِني «.

وفي المفعول الثاني ل» آتِنَا «- لأنه يتعدَّى لاثْنَيْنِ ثانيهما غيرُ الأَوَّل - ثلاثةُ أقوال:

أظهرها: أنه محذوفٌ؛ اختصاراً أو اقتصاراً؛ لأنه من باب» أَعْطَى «، أي: آتِنا ما نُريدُ، أو مطلوبَنَا.

والثاني: أن «فِي» بمعنى «مِنْ» أي: من الدنيا.

والثالث: أنها زائدٌ، أي: آتِنا الدنيا، ولَيْسَا بشيء.

فصل

واعلم أنَّه بيَّن أولاً منَاسِكَ الحَجِّ، ثم أمر بَعْدَها بالذِّكْرِ، ثم بيّن بعد الذِّكْرِ كيفيَّة الدَّعَاء، وهذا من أحسن التَّرْتيب؛ فإنّ تقديم العِبَادة يكسر النَّفْسَ، وبعد العِبَادة لا بُدَّ من الاشْتِغال بذكْرِ الله، فإن به يَكْمُل الدُّعَاء؛ كما حُكِيَ عن إبراهيم - عليه السَّلام -؛ أنّه قدَّم الذِّكْر على الدُّعاء، فقال: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: ٧٨] ثم قال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بالصالحين} [الشعراء: ٨٣] ثم بيَّن - تبارك وتعالى - أنّ الَّذِين يَدْعُون فَريقان: أحدهما يطلب الدُّنْيَا، والثَّاني يطلب الدُّنْيَا والآخِرة، وقد بقي قِسْمٌ ثالثٌ وهو طلب الآخِرَةِ؛ واخْتَلَفُوا في هذا القِسْم: هل هو مَشْرُوعٌ أم لا؟ والأكثرونَ على أنّه غير مشورع؛ لأن الإنسان ضعيف لا طاقة له بآلام الدُّنيا؛ فالأولى أن يستعيذ بربِّه من كل شرِّ في الدُّنيَا والآخِرة.

روى القفَّال في «تَفْسيرِه» عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - «أن النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَخَلَ على رَجُلٍ يعُودُ، قد أنهَكُه المَرَضُ حتَّى صَارَ كالفَرْخ، فقال: ما كُنتُ تدعُوا الله به قَبْلَ هذا؟ قال: كُنْتُ أقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنتَ تُعاقِبني به في الآخِرة فَعَجِّل بِهِ في الدُّنْيا، فقال النبيُّ - عليه السلام -: سبحان الله!! إنّك لا تُطِيقُ ذلك؛ هلا قُلْتَ:» ربنا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَة وفي الآخِرَةِ حَسَنَة وقِنَا عَذَابَ النَّارَ «قال: فدَعَا له رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَشُوفِي»

<<  <  ج: ص:  >  >>