أحدهما: أَنَّ المحبة غيرُ الإِرادة، بل المحبَّةُ عبارةٌ عن مَدح الشيء.
والثاني: سَلَّمنا أَنَّ المحبةَ نفسُ الارادة، لكن قوله تعالى {والله لَا يُحِبُّ الفساد} [البقرة: ٢٠٥] لا يُفيد العُموم؛ لأنَّ الألف واللَاّم الداخلتين في اللفظ لا يُفيدان العمومَ، ثم يهدم كلامهم وجهان:
الأول: أَنَّ قُدرة العبد صالحةٌ للإصلاح، والفساد؛ فترجُّحُ الفساد على الصلاح إِنْ وقع لا لمُرجح، لزم نفيُ الصانعِ، وإنْ وقع لمرجح، فذلك المرجّح لا بُدَّ وأنْ يكونَ من اللَّهِ؛ وإِلَاّ لَزِمَ التسلسلُ، فثبت أَنَّ اللَّهَ سُبحانه هو المرجح لجانب الفساد، فكيف يعقِلُ أَنْ يُقالِ إِنَّهُ لا يريده؟
والثاني: أَنَّهُ عالِمٌ بوقوع الفسادِ، فإن أراد أَلَاّ يقع الفسادُ، لزم أَنْ يُقال: إِنَّه أَراد أَنْ يقلب علم نفسه جهلاً، وذلك مُحَالٌ.
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله} : هذه الجملةُ الشرطيةُ تحتملُ الوجهين المتقدِّمين في نظيرتها، أَعْني: كونها مستأنفةً، أو معطوفة على «يُعجِبُك» ، وقد تقدَّم الخلافُ في الذي قام مقام الفاعل عند قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُواْ} [البقرة: ١١] .
قوله: «أخذَتْهُ العزَّةُ» ، أي حملتُه العِزَّةُ وحَمِيَّةُ الجاهلية على الفعل.
قوله: «بالإثم» أي: بالظلم وفي هذه الباءِ ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنْ تكونَ للتعديةِ، وهو قول الزمخشري فإنه قال: «أَخَذْتُهُ بكذا إذا حَمَلْتهُ عليه، وأَلْزَمْتهُ إياه، أي: حَمَلتهُ العِزَّةُ على الإِثْم، وأَلْزَمَتْهُ ارتكابَه» قال أبو حيان: «وباء التعدية بابُها الفعلُ اللازمُ، نحو: {ذَهَبَ الله} [البقرة: ١٧] ، {وَلَوْ شَآءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [البقرة: ٢٠] ، ونَدَرَتِ التعديةُ بالباءِ في المتعدِّي نحو:» صَكَكْتُ الحجرَ بالحجرِ «أي: جَعَلْتُ أَحدهما يَصُكُّ الآخرَ» .
الثاني: أَنْ تكونَ للسببيةِ، بمعنى أنَّ إثمّه كان سبباً لأخذِ العِزَّة له؛ كما في قوله: [الرمل]
١٠١٥ - أَخَذَتْهُ عِزَّةٌ مِنْ جَهْلِهِ ... فَتَوَلَّى مُغْضَباً فِعْلَ الضَّجِرْ
فتكونُ الباءُ بمعنى اللام، فتقول: فعلت هذا بسببك، ولسببك، وعاقَبْتُه لجِنَايتهِ، وبجنايَتهِ.
الثالث: أن تكونَ للمصاحبة؛ فتكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِن وفيها حينئذٍ وجهان:
أحدهما: أَنْ تكون حالاً مِنَ «العِزَّة» أي: مُلْتبسةً بالإِثمِ.