للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اتَّقِ اللَّهَ، فما زاده ذلك إِلَاّ عُتُوّاً، فطعنه فأَنفذه، وذلك قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق الله} [البقرة: ٢٠٦] يعني سَلَامَانَ.

وأَمَّا زيدُ بنُ الدثنة، فابتاعه صفوانُ بنُ أُميَّة؛ ليقلته بأبيه، أُمية بن خلفٍ، فبعثه مع مَوْلى له يُسَمَّى نسطاس إلى التنعيم، ليقتُلهُ، واجتمع رهطٌ مِنْ قُريشٍ فيهم أبو سُفيان بن حربٍ، فقال له أبو سفيان حين قُدِّمَ ليُقْتَل: أَنْشدك اللَّهَ يا زيدُ، أَتُحِبُّ أَنَّ محمداً عندنا الآن بمكانك، وتُضْرُب عنقُه وإِنَّك في أَهلك؟ فقال: واللَّهِ ما أحبُّ أَنَّ محمداً الآنَ في مكانِه الذي هو فيه تُصيبُه شوكَةٌ تُؤذيه، وأَنا جالِسٌ في أَهْلِي، فقال أَبُو سُفيانَ: ما رأيتُ أحداً من الناس يُحِبُّ أحداً كَحُبِّ أصحاب مُحَمَّدٍ، ثم قتله نِسْطَاسُ.

فلمَّا بلغ النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هذا الخبرُ، قال لأَصحابهِ: «أَيُّكُمْ ينزل خُبَيْباً عن خَشَبته وله الجنةُ» فقال الزُّبَيْرُ أنا يا رَسُول اللَّهِ، وَصَاحِبي المقدادُ بنُ الأَسُودِ، فخرجا يمشيان في الليلِ، ويكمُنانِ بالنهار، حتَّى أََتَيَا التنعيم ليلاً، وإذا حولَ الخَشَبةِ أربعون رجُلاً من المشركين نائمون نشاوى، فَأَنْزَلَاهُ، فإذا هو رَطْبٌ يَنْثَنِي، لم يتغيّرْ بعد أربعين يوماً، ويده على جراحتِه، وهي تَبصُّ دَماً اللونُ لَوْنُ الدّمِ، والريحُ ريحُ المسْكِ، فحمله الزبيرُ على فرسِه، وساروا؛ فانتبه الكفارُ وقد فقدوا خُبَيْباً، فأخبروا قُرَيْشاً، فركب منهم سبعُون رجلاً، فلمَّا لحقوهما قذَفَ الزبيرُ خُبَيْباً؛ فابتلعته الأرضُ فَسُمِّيَ بليعَ الأَرضِ، وقال الزبيرُ: ما جَرَّأكُمْ علينا يا مَعشَر قريشٍ؛ ثم رفع العمامةً عن رأْسِه، وقال: أَنَا الزُّبير بنُ العَوَّام، وأُمِّي صفِيَّةُ بنتُ عبد المطلبِ، وصاحبي المِقدادُ بنُ الأَسُوَدِ، أَسَدَانِ رَابضانِ يَدْفعانِ عن شِبْلهما، فإن شئْتم نازلْتُكم، وإن شِئْتُم انصَرفْتُم. فانصرفا إلى مَكَّة، وقدِما على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجبريلُ عِنْده، فقال: يا محمدُ، إِنَّ الملائكة لَتُبَاهِي بهذين من أصحابك «

، فنزل في الزُّبَيْر والمِقْداد {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا بالله} [البقرة: ٢٠٧] حين شرِيا أنفسَهُمَا لإِنْزَالِ خُبَيْبٍ عن خَشَبَته.

وقال أكثرُ المفسِّرين: نزلت في صُهَيب بن سِنان، مَوْلى عبد اللَّهِ بنِ جُدْعانَ الرُّومِيِّ، وفي عمَّارِ بن ياسِرٍ، وفي سُمَيَّة أُمَّه، وفي ياسِرٍ أَبيه، وفي بلالٍ مَوْلَى أبي بَكرٍ، وفي خَبَّاب بن الأَرَتّ وفي عابس مَوْلَى حُوَيْطِب؛ أخذَهُم المشرِكُون فَعَذَّبوهم؛ فقال لهم صُهَيبٌ: إِنِّي شيخٌ كَبيرٌ لا يَضُرُّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْتُ أم مِن عَدوِّكم فهل لكم أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي، وتذَرُوني؟ ففعلوا، وكان شرط عليهم راحلةً ونَفَقَةً، فأقام بمكةَ ما شاء اللَّهُ، ثم خرج إلى المدينَةِ، فتَلَقَّاهُ أَبُو بكرٍ وعُمرُ في رجال فقال له أَبُو بَكْرٍ: رَبَحَ بَيْعُكَ يا أَبَا يَحيى؛ فقال: وبيعُكَ فلا تخسر ما ذاك؟ فقال: أنزل اللَّهُ فيك كذا وقرأ عليه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>