للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المضْمُوم؛ ليُعْلِمُوا أنَّ الضَّمَّة كالمنطوق بها، وقَدْ أَمالَ الكِسَائيُّ ووَرْشٌ «مَرْضَات» .

وفي قوله: «بِالْعِبَادِ» خُرُوجٌ من ضميرِ الغَيْبَةِ إِلَى الاسْم الظَّاهِرِ؛ إذ كان الأَصْلُ «رَؤوفٌ بِهِ» أَوْ «بِهِمْ» وفائدةُ هذا الخُروجِ أنَّ لفظَ «العِبَادِ» يُؤْذِنُ بالتشرِيف، أو لأنه فاصلةٌ فاختير لذلك.

فصل

إِذَا قُلأنا بأنَّ المراد من هذا الشراءِ البيعُ، فتحقيقُه أَنَّ المكلَّفَ باعَ نَفسَه بثوابِ الآخرَةِ، وهذا البيعُ هو أنَّهُ بَذلَها في طاعةِ اللَّهِ تعالى من الصلاةِ، والصيام، والحج والجهاد، ثم يتوصل بذلك إلى وجدان ثَوَابِ الله تعالى فكان ما يبذلُه مِنْ نفْسِه كالسِّلْعةِ، فكأَنَّهُ كالبائِع، واللَّهُ كالمشتري؛ كما قال: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة} [التوبة: ١١١] وقد سَمَّى اللَّهُ تعالى ذلك تِجَارةً، فقال: {ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بالله وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}

[الصف: ١٠، ١١} وإِنْ أَجْرَينا الآيةَ على ظاهِرهَا، وقُلنا: إِنَّ المرادَ هو الشراءُن فإن مَنْ أَقْدَم على الكُفْرِ، والتوسُّعِ في مَلاذِّ الدنيا، والإِعْراض عن الآخرة، وقَعَ في العذاب الدَّائِمِ، فصار كَأَنَّ نَفْسَهُ كانت له، فبسبب الكُفْرِ والفِسْقِ خَرجَتْ عن مِلْكه، وصارت حَقّاً للنار، فإذا ترك الكفر والفِسْق، وأقبل على الإِيمان والطاعةِ صار كأنه اشْترى نَفْسَهُ من النار والعذاب.

فإن قيلَ: إن الله تعالى جعل نَفْسَهُ مُشْترياً بقوله: {إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} وهذا يمنع كَونَ المؤمنِ مُشْتَرِياً.

فالجوابُ: أنه لا مُنَافَاةَ بين الأَمْرين؛ فهو كمن اشترى ثوْباً بعبدٍ، فكل واحد منهما بائع ومُشْتَرٍ فكذا هَا هُنَا.

فصل

يدخُلُ تحتَ هذا كُلُّ مَشَقَّةٍ يتحملها الإنسانُ في طلَبِ الدِّين؛ كالجهادِ والصابر على القَتْلِ، كَقَتْلِ والد عَمَّار وأُمِّه، والآبق مِنَ الكُفَّارِ إلى المسلمين، والمُشْترِي نفسَهُ من الكفار بِمَالِه، كفعل صُهَيبٍ، وَمَنْ يُظْهِرُ الدين والحقَّ عِنْدَ السلطان الجائِر.

رُوِيَ أَنَّ عُمَر - رضي اللَّهُ عنه - بعثَ جَيْشاً، فحاصَرُوا قَصْراً، فتقدَّم منهم وَاحِدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>