للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لأنها تَمْنَعُ ما يقتضيه، و «كِفّة المِيزَانِ» لجمعها الموزون، ويقالُ: كَفَفْتُ فُلَاناً عن السُّوء، أي: منعتُه، ورجل مَكْفُوفٌ، أي: كُفَّ بَصَرُهُ مِنْ أَنْيبصر، وَالكُفَّةُ - بالضَّمِّ - لكل مستطيلٍ، وبالكَسْرِ، لكلِّ مُسْتدِير.

وقيل: «كافة» مصدرٌ كالعاقبة والعافية. وكافة وقاطبة مِمَّا لَزم نصبُها على الحالِ، فإخراجُهما عن ذلك لَحْنٌ.

فصل

لمَّا بيَّن الله - تعالى - أقسامَ النَّاسِن وأنهم يَنْقَسِمون إلى مُؤْمنٍ، وكافِرٍ، ومُنَافِق قال هاهنا: كُونَوا على مِلَّة واحدة، على الإسلام، واثْبتُوا عليه.

قال ابنُ الخطيب: حمل أكثرُ المفسرِين السِّلْمَ على الإسلامِ، وفيه إِشكالٌ؛ لأنه يَصِيرُ التقدِيرُ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنثوا ادخُلُوا في الإِسْلام، والإِيمانُ هو الإسلامُ، ومعلومٌ أَنَّ ذلك لا يَجوزُ، فلهذا ذكر المفسرون وُجُوهاً.

أحدها: أَنَّ المرادَ بالآيةِ المنافقُونَ، والتقديرُ: يا أَيُّهَا الذي آمنوا بأَلْسنتِهم ادخلُوا بكُلِّيتِكُمْ في الإسلام، ولا تَتَّبعُوا خطواتِ الشيطانِ، أي آثار تَزيينه، وغروره في الإِقامةِ على النِّفاقِ، واحتجوا على هذه بالآيةِ، فهذا التأويلُ على أَنَّ هذه الآيةَ إِنَّما وردت عَقِيبُ مَا مَضَى من ذكر المنافقين وهو قولُه: {وَمِنَ الناس مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} [البقرة: ٢٠٤] «الآية» فلمَّا وصفهم بما ذكر، دعاهم في هذه الآيةِ إلى الإيمان بالقلب، وترك النفاق.

وثانيها: رُوِيَ أَنَّ هذه الآية نزلتُ في طائفةٍ من مُسْلِمي أهل الكتاب: «عَبْد اللَّهِ ابن سَلامٍ» وأصحابِهِ، وذلك لأنهم كانوا يُعظِّمون السَّبْتَ، ويكرهون لُحْمَان الإِبِل، بعدما أَسْلَموا وقالوا: يَا رسُولَ اللَّهِ: إِنَّ التوراةَ كتابُ اللَّهِ، فدعْنَا فلنقم بها في صَلاتِنا باللَّيْلِ، فأمرهم اللَّهُ بهذه الآيةِ أَنْ يدخُلُوا في السِّلْم كافَّةً [أي: في شَرَائِعِ الإِسَلام كافة] ولا يتمسَّكُوا بشَيْءٍ من أَحْكامِ التوراة، اعتقاداً له وعملاً به، ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطانِ في التمسُّكِ بأْحْكامِ التوراة بَعْدَ أَنْ عرفْتُم أنها صارت مَنْسُوخةً، وقائِلُ هذا القولِ جعل «كَافَّةً» من وصف «السِّلْم» ، كأنه قِيلَ: ادخُلُوا في جميع شَعائِر الإسلام اعتقاداً وعملاً.

وثالثها: أَنَّ هذا الخطابَ لأَهْلِ الكتابِ الَّذِينَ لم يؤمنوا بالنبي - عليه السلام - يَعْنِي: {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا} . أي: بالكتاب المتقدم {ادخلوا فِي السلم كَآفَّةً} ، أي: آمنوا بجميع أنبيائه وكُتُبهم، وبمحمَّد، وكتابهِ على التمامِ، ولا تتبعوا خُطُواتِ الشيطان في

<<  <  ج: ص:  >  >>