أحدهما: الفعل والشَّأْن والطَّريق؛ قال تعالى:{وَمَآ أَمْرُنَآ إِلَاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر}[القمر: ٥٠] ، {وَمَآ أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}[هود: ٩٧] ، وفي المثل:«لأَمْرِ مَا جَدَعَ قَصِيرٌ أَنْفَهُ» ، و «لأَمْرِ مَا يُسَوَّدُ مَنْ يُسَوَّدُ» ، فيجعل الأمر عبارة عن الفعل، وهو ما يليق بتلك المواقف من الأهوال، وهذا هو التَّأويل الأول، وإن حملنا الأمر على ضدِّ النهي، ففيه وجهان:
أحدهما: أن منادياً ينادي يوم القيامة ألا أن الله يأمركم بكذا، وكذا، فذاك هو إتيان الأمر.
وقوله:«في ظُلَلٍ» ، أي: مع ظللٍ، والتقدير: أن سماع ذلك النداء ووصول تلك الظلل يكون في زمان واحد.
الثاني: أن يكون المراد من إتيان أمر الله في ظلل حصول أصوات مقطَّعة مخصوصة في تلك الغمامات، تدلُّ على حكم الله تعالى على كلِّ ما يليق به؛ من السَّعادة، والشقاوة، وتكون فائدة الظُّلل من الغمام أنه تعالى جعله مارة لما يريد إنزاله بالقوم، فعنده يعلمون أنَّ الأمر قد حضر وقرب.
الوجه الثالث: أن يأتيهم الله بما وعد من الحساب، والعذاب، فحذف ما يأتي به، تهويلاً عليهم؛ إذ لو ذكر كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ؛ لانقسام خواطرهم، وذهاب فكرهم في كل وجهٍ، كقوله تعالى:{فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد}[النحل: ٢٦] وقوله: {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ}[الحشر: ٢] أو قوله: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ}[النحل: ٢٦] وآتاهم العذاب، كالتفسير لقوله:{فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ}[النحل: ٢٦] .
الوجه الرابع: أن تكون «فِي» بمعنى «البَاءِ» ، وتقديره: هل ينظرون إلَاّ أن يأتيهم الله بظللٍ من الغمام، وحروف الجرِّ يقام بعضها مقام بعضٍ.
الوجه الخامس: قال ابن الخطيب: وهو أوضح عندي من كلِّ ما سلف، وهو أنَّا ذكرنا أنَّ قوله تعالى:{ياأيها الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَآفَّةً} نزلت في اليهود، فعلى هذا قوله:{فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْكُمُ البينات فاعلموا أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} يكون