وقيل: يجوز أن ينتصب بفعل مقدَّر يفسِّره الفعل بعدها تقديره: كم آتينا آتيناهم، وإنما قدرنا ناصبها بعدها؛ لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام، ولا يعمل فيه ما قبله، قاله ابن عطيَّة، يعني أنه عنده من باب الاشتغال، قال أبو حيَّان: وهذا غير جائزٍ إنْ كان «مِنْ آيةٍ» تمييزاً؛ لأن الفعل المفسِّر لم يعمل في ضمير «كَمْ» ولا في سبيها، وإذا لم يكن كذلك، امتنع أن يكون من ابا سببيِّه.
ونظير ما أجازه أن تقول:«زَيْداً ضربْتُ» ويكون من باب الاشتغال، وهذا ما لم يجيزه أحد.
فإن قلنا أنَّ تمييزها محذوف، وأطلقت «كَمْ» على القوم، جاز ذلك؛ لأنَّ في جملة الاشتغال ضمير الأول؛ لأنَّ التقدير:«كَمْ مِنْ قَوْم آتيناهُمْ» قال شهاب الدِّين: وهذا الذي قاله الشيخ من كونه لا يتمشَّى على كون «مِنْ آية» تمييزاً قد صرَّح به ابن عطيَّة فإنه قال «وقوله:» مِنْ آيةٍ «هو على التقدير الأول، مفعول ثان لآتيناهم، وعلى الثاني في موضع التمييز» يعني بالأول نصبها على الاشتغال، وبالثاني نصبها بما بعدها.
الوجه الثاني: أن تكون «كَمْ» في محلِّ رفع بالابتداء، والجملة بعدها في محلِّ رفع خبراً لها، والعائد محذوفٌ تقديره: كم آتيناهموها، أو آتيناهم إيَّاها، أجازه ابن عطيَّة وأبو البقاء، واستضعفه أبو حيَّان من حيث إن حذف عائد المبتدأ المنصوب لا يجوز إلَاّ في ضرورةٍ، كقوله:[السريع]
أي: وخالدٌ يحمده. وهذا نقل بعضهم، ونقل ابن مالكٍ، أنَّ المبتدأ إذا كان لفظ «كُلٍّ» ، أو ما أشبهها في الافتقار والعموم جاز حذف عائده المنصوب اتفاقاً من البصريِّين والكوفيِّين، ومنه:{وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى}[النساء: ٩٥] في قراءة نافعٍ، وإذا كان المبتدأ غير ذلك، فالكوفيُّون يمنعون ذلك لا في السِّعة، والبصريُّون يجيزونه بضعفٍ، ومنه:{أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ}[المائدة: ٥٠] برفع «حُكْم» . فقد حصل أنَّ الذي أجازه ابن عطية ممنوعٌ عند الكوفيين، ضعيف عند البصريين.
وهل «كَمْ» هذه استفهامية، أو خبرية؟ الظاهر الأول، وأجاز الزمخشريُّ فيها الوجهين، ومنعه أبو حيَّان من حيث إن «كَمْ» الخبرية مستقلة بنفسها، غير متعلقةٍ بالسؤال، فتكون مفلتةً ممّا قبلها، والمعنى يؤدي إلى انصباب السؤال عليها، وأيضاً فيحتاج إلى حذف المفعول الثاني للسؤال، تقديره: سل بني إسرائيل عن الآيات التي