أحدهما: معجزات موسى - عليه السلام - كما تقدَّم نحو: فلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ونتق الجبل، وتكليم الله تعالى موسى - عليه السلام - والعصا، واليد البيضاء، وإنزال التوراة، وبيّن لهم الهدى من الكفر.
وقيل: المراد بالآية الحجَّة، والدلالة التي آتاهم، التوراة، والإنجيل على نبوة محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصدقه، وصحَّة شريعته.
قوله:{وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ الله}«مَنْ» شرطية في محلِّ رفع بالابتداء، وقد تقدَّم الخلاف في خبر اسم الشرط ما هو؟ ولا بدَّ للتبديل من مفعولين: مبدَّل وبدل، ولم يذكر هنا إلَاّ أحدهما وهو المبدِّل، وحذف البدل، وهو المفعول الثاني؛ لفهم المعنى، وقد صرَّح به في قوله:{بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْراً}[إبراهيم: ٢٨] فكفراً هو المحذوف هنا. وقد تقدَّم عند قوله تعالى:{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ}[البقرة: ٥٩] أن «بَدَّل» يتعدَّى لاثنين: أحدهما بنفسه، وهو البدل، وهو الذي يكون موجوداً، وغلى الآخر بحرف الجر، وهو المبدَّل، وهو الذي يكون متروكا، وقد يحذف حرف الجرِّ لفهم المعنى، فالتقدير هنا:«وَمَنْ يُبَدِّلْ بنعمتِهِ كُفْراً» ، فحذف حرف الجر والبدل لفهم المعنى. ولا جائز أن تقدِّر حرف الجر داخلاً على «كُفْراً» فيكون التقدير: «وَمَنْ يُبَدِّلْ بِالكُفْرِ نِعْمَةَ اللَّهِ» ؛ لأنه لا يترتَّب عليه الوعيد في قوله:{فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} . وكذلك قوله تعالى:{فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}[الفرقان: ٧٠] تقديره: بسيئاتهم حسناتٍ، ولا يجوز تقديره:«سَيِّئاتِهِم بحسناتٍ» ؛ لأنه لا يترتَّب على قوله:«إلا مَنْ تَابَ» .
وقرئ:«يُبْدِلُ» مخففاً، و «مِنْ» لابتداء الغاية و «مَا» مصدرية، والعائد من جملة الجزاء على اسم الشرط محذوف؛ لفهم المعنى، أي: شديد العقاب له، أو لأنَّ «أَلْ» نابت منابه عند الكوفيين.
قال القرطبيُّ: وهذا اللفظ عامٌّ لجميع المكلَّفين، وإن كان المشار إليه بني إسرائيل لكونهم بدَّلوا ما في كتبهم، وجحدوا أمر محمد - عليه السلام -، فاللَّفظ مستحب على كلِّ مبدِّل نعمة الله تعالى.
فصل
فالنِّعمة هاهنا إيتاء الآيات والدلائل؛ لأنها أعظم نعم الله، لإإنها أسباب الهدى والنَّجاة من الضَّلالة، وعلى هذا ففي تبديلهم إيَّاها وجهان:
فمن قال: المراد بالآيات ما في التوراة والإنجيل من دلائل معجزات موسى - عَلَيْهِ