و «مِنْ» يجوزُ أَنْ تكونَ للتبعيض، وأَنْ تكونَ للبيانِ عند مَنْ يرى ذلك، تقديره: الذي هو الحقّ.
وأجاز أبو البقاء أَنْ يكونَ «مِنَ الحقِّ» حالاً من الضمير في «فيه» ، والعامِلُ فيها «اختلفوا» فإن قيل لم قال هداهم فيما اختلفُوا فيه، وعساهُ أن يكون غير حقٍّ في نفسه قال:«والقَلْبُ في كتابِ اللَّهِ دُونَ ضرُورةٍ تدفعُ إليه عَجْزٌ وسُوءُ فَهْمٍ» انتهى.
قال شهاب الدِّين: وهذا الاحتمالُ الذي جعله ابنُ عطية حاملاً للفرَّاءِ على ادِّعاء القلب، لا يُتوهَّمُ أصلاً.
قوله «بإذنِهِ» فيه وجهان:
أحدهما: أَن يتعلَّقَ بمحذوفٍ، لأنه حالٌ من «الَّذِينَ آمَنُوا» ، أي: مأذوناً لهم.
والثاني: أَنْ يكون متعلِّقاً بهدى مفعولاً به، أي: هداهم بأمره.
قال الزَّجَّاج: المراد من الإذن - هنا - العلم، أي: بعلمه، وإرادته فيهم، وقيل بأمره، أي: حصلت الهداية بسبب الأمر؛ كما يقال: قطعت بالسِّكِّين.
وقيل: لا بُدَّ فيه مِنْ إضمار، تقديره: هداهم فاهتدوا بإذنه.
فصل فيما اختلف فيه أهل الكتاب وهدانا الله إليه
قال ابن زيدٍ: هذه الآية في أهل الكتاب، اختلفوا في القبلة فصلّت اليهود إلى بيت المقدس، والنصارى إلى المشرق؛ فهدانا اللَّهُ للكعبة، واختلفوا في الصيام؛ فهدانا الله لشهر رمضان واختلفوا في الأَيام، فأخذت اليهودُ السَّبت، والنَّصارى الأحد؛ فهدانا اللَّهُ للجمعة، واختلفوا في إبراهيم، فقال اليهود: كان يهوديّاً، وقالت النصارى: كان نصرانيّاً. فقلنا: إِنَّه كان حنيفاً مسلماً، واختلفوا في عيسى: فاليهود فرَّطُوا، والنَّصارى أفرطوا؛ فهدانا اللَّهُ للحقِّ فيه.
فصل في احتاج بعضهم بالآية على أن الإيمان مخلوق والرد عليه.
تمسَّك بعضهم بهذه الآية على أَنَّ الإيمان مخلوقٌ لله تعالى، وهو ضعيفٌ؛ لأن الهداية غير الاهتداء كما أَنَّ الهداية إلى الإيمان غير الإيمان، وأيضاً فإنه قال في آخر الآية:«بِإِذْنِهِ» ولا يمكن صرف هذا الإذن إلى قوله: «فَهَدَى اللَّهُ» إذ لا جائز أن يأذن لنفسه، فلا بُدَّ من إضمار لصرف الإذن إليه، والتقدير: «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا