وحجته قوله تعالى:{فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}[التوبة: ٥] وهذا ناسخةٌ لتحريم القتال في الشهور الحرام.
قال ابن الخطيب: والذي عندي أن قوله تعالى: {قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} نكرة في سياق الإِثبات، فيتناول فرداً واحداً، ولا يتناول كُلَّ الأَفراد فهذه الآية لا دلالة فيها على تحريم القتال مُطلقاً في الشهر الحرام، ولا حاجة إلى النسخ فيه.
قوله:«وَصَدٌّ» فيه وجهان:
أحدهما: أنه مبتدأ وما بعده عطفٌ عليه، و «أكبرُ» خبرُ عن الجميع، قاله الزَّجَّاج، ويكون المعنى أَنَّ القتال الذي سألتُم عنه، وإن كان كبيراً، إلَاّ أن هذه الأشياء أكبرُ منه فإذا لم تمتنعوا عنها في الشهر الحرام فكيف تعيبون عبد الله بن جحش على ذلك القتال مع أنَّ عذره ظاهرٌ؛ لأَنَّهُ كان يجوزُ أَنْ يكون ذلك القتل واقعاً في جمادى الآخرة، ونظيره في المعنى قوله تعالى لبني إسرائيل {أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٤٤] وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف: ٢] .
والثاني: أنه عطفٌ على «كبيرٌ» أي: قتالٌ فيه كبيرٌ وصَدٌّ، قاله الفراء.
قال ابن عطية: وهو خطأٌ؛ لأنَّ المعنى يسوقُ إلى أنَّ قوله:«وكفرٌ به» عطفٌ أيضاً على «كبيرٌ» ويجيءُ من ذلك أنَّ إخراج أهل المسجد منه أكبرُ من الكفرِ، وهو بَيِّنٌ فسادُه.
وهذا الذي رَدَّ به قول الفراء، غير لازم له؛ إذ له أَنْ يقولَ: إِنَّ قولَه «وكفرٌ به» مُبْتَدَأٌ، وما بعده عَطْفٌ عليه، و «أكبرُ» خبرٌ عنهما، أي: مجموعُ الأَمرين أكبرُ من القتال والصدِّ، ولا يلزَمُ من ذلك أن يكونَ إخراجُ أهلِ المسجدِ أكبرَ من الكفر، بل يلزمُ منه أنه أكبرُ من القتالِ في الشهرِ الحرامِ.