ومعلومٌ أنَّ السِّفاح مشتملٌ على الوطء، فلو كان النِّكاح اسماً للوطء، لا متنع كون النِّكاح مقابلاً للسِّفاح، وقال تعالى:{وَأَنْكِحُواْ الأيامى مِنْكُمْ والصالحين مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ}[النور: ٣٢] ولا يمكن حمله إلَاّ على العقد.
وأيضاً قول الأعشى في البيت المتقدِّم لا يحتمل إلَاّ الأمر بالعقد؛ لأنه قال:«ولَا تَقْرَبَنَّ جَارَةً» يعني مقاربتها على الطَّريق الَّذي يحرُمُ فاعقدْ وتزوَّج، وإلَاّ فتأيَّم، وتجنَّبِ النِّساء.
وقال الرَّاغب: أصْلُ النِّكَاحِ للعقدِ، ثم اسْتُعِيرَ للجِمَاعِ، ومُحَالٌ أن يَكُونَ في الأَصْلِ للجِمَاعِ، ثم استُعِير لِلْعَقْدِ، لأنَّ أَسْمَاءَ الجِمَاعِ كلَّها كِنَايَاتٌ لاستقباحِهم ذِكْرَه؛ كاستقباحهم تَعاطِيَهُ، ومُحالٌ أن يستعيرَ مَنْ لا يَقْصِدُ فُحْشاً اسمَ مَا لَا يَسْتَفْظِعُونَهُ لِمَا يَسْتَحْسِنُونَهُ؛ قال تعالى:{فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء}
[النساء: ٣] .
وقال آخرون: هو حقيقةٌ في الوطء، واحتجوا بوجوه:
منها قوله تعالى:{فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ}[البقرة: ٢٣٠] نفي الحل ممتدٌّ إلى غاية النِّكاح، وليس هو العقد؛ ومنها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ، ويَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» ؛ فوجب أن يكون هو الوطء.